فإن قيل: فإن اعتباركم بالطهارة وأن التكبيرة لا تصح إلا بها؛ اعتبار غير صحيح؛ لأن الطهارة ليست لأجل نفس التكبيرة، ولكنها لأجل ما يفعل عقيبها من أفعال الصلاة، وذلك أن الأفعال لا يمكن أن يفصل بينها وبين التحريمة، فلذلك لم يصح أن تكون على غير طهارة، فصارت الطهارة معتبرة لأجل ما بعد التكبير من أفعال الصلاة، وأفعال الصلاة تفعل بالطهارة، ولا يصح أن يكون مؤديًا لجزء من الصلاة مع الحدث.
قالوا: وبين ذلك أن من حكم الطهارة أن تتقدم استقبال القبلة، ولم يدل ذلك على أن الطهارة شرط في استقبال القبلة، وأنها من الصلاة، وكذلك نية الصلاة حكمها أن تكون الطهارة موجودة قبلها وإن لم تكن من الصلاة.
قيل: قولكم: "إن الطهارة تفعل لأجل ما بعد تكبيرة الإحرام"؛ دعوى لا دليل معها، وقد بينا أنها لا تصح إلا بالطهارة كسائر أفعال الصلاة وأقوالها.
فأما ما ذكرتم من استقبال القبلة للصلاة؛ فإنه يصح أن يكون مستقبل القبلة قبل أن يتطهر، ثم يتطهر للصلاة، ويستصحب استقبالها حتى يدخل في الصلاة (١)، وكذلك أن يقدم النية قبل الطهارة، ثم يستصحبها حتى يدخل في الصلاة وتكبيرة الإحرام لا يصح الابتداء بها إلا بعد الطهارة
(١) وحينئذ يكون الحكم لما بعد الطهارة لا لما قبلها، فإن لو غفل عن استقبالها بعد الطهارة لم ينفعه ما كان من استقبالها قبلها، وكذلك الأمر في النية، وفي حديث المسيء صلاته: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر"، فكون الوضوء لما بعد استقبال القبلة له وجه كما ذهب إليه المعترض، فتأمل.