للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قيل: هذا حديث قد تكلم الناس فيه بما قد عرف، على أن هذا خطأ في التأويل خاصة على مذهبنا؛ لأن الإمام عندنا يكبر ثم يقرأ، فيحتاج المأموم أن ينصت، وأما بعد قراءة فاتحة الكتاب؛ فإن الإمام يقرأ بعدها بشيء آخر، فيحتاج المأموم أن ينصت، فإن قرأ والإمام يقرأ؛ فلم ينصت، فإن كانت للإمام سكتة بعد فاتحة الكتاب حتى يقرأ المأموم فاتحة الكتاب؛ فهو خطأ؛ لأننا لم نر أحدًا من الأئمة خاصهم وعامهم سكت بعد قراءة أم القرآن سكوتًا يمكن أن يقرأ فيه من خلفه بأم القرآن (١)، وإنما يسكت أكثر أهل القرآن بعد التكبير، لما رووه عن عمر من قوله: "سبحانك اللهم وبحمدك" (٢)، وأهل المدينة ينكرونه.

ولو كان النبي إنما جعل السكوت ليقرأ من خلفه؛ لم يسألهم: "هل تقرؤون خلف إمامكم" (٣)؛ لأنه جعل لقراءتهم خلفه حدا، ولما كان أيضًا يقول لهم في حديث عمران بن حصين: "قد عرفت أن بعضكم خالجنيها" (٤)، إنما يخالجونه إذا قرؤوا في وقت قراءته.

ولو كان أيضًا سكوته إنما هو لأن يقرأ من خلفه بأم القرآن؛ لما


(١) وعلى فرض ثبوته فإن السكتة الثانية لا دلالة فيها على أنها بمقدار ما يقرأ فاتحة الكتاب، وإنما هي فصل بين القراءة وبين تكبير الركوع لئلا يظن من لا يعلم أن التكبير من القراءة إذا كان موصولًا بها، ولو كانت السكتتان كل واحدة منهما بمقدار قراءة فاتحة الكتاب؛ لكان ذلك مستفيضًا، ونقله شائعًا ظاهرًا، فلما لم ينقل ذلك من طريق الاستفاضة مع عموم الحاجة إليه؛ إذ كانت مفعولة لأداء فرض القراءة من المأموم؛ ثبت أنهما غير ثابتين. أفاده الجصاص في أحكام القرآن (٣/ ٥٣).
(٢) تقدم تخريجه (٤/ ٢٥٥).
(٣) تقدم تخريجه (٤/ ٢٩٤).
(٤) أخرجه مسلم (٣٩٨/ ٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>