للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فجعل تأمينهم عقيب قوله: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾، فلو كان الإمام يقول: "آمين"؛ لقال : إذا قال آمين فقولوا آمين" (١)؛ لأن قولهم ينبغي أن يكون بعد قوله، كتكبيرهم بعد تكبيره.

فإن قيل: فقد روى مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد، عن أبي هريرة، أن النبي قال: "إذا أمن الإمام فأمنوا" (٢).

قيل: فقد روي هذا، وروي الأول، فينبغي أن يرجح أحدهما (٣)، فوجدنا آخر الفاتحة دعاء، والإمام، داع، فالمأموم مؤمن، وكذلك جرى العرب بأن يدعو واحد ويؤمن المستمع، فإذا كان دعاء الداعي ينوب عن دعاء من معه لأنهم يؤمنون؛ كان تأمينهم ينوب عن تأمينه (٤)، وقد قال تعالى


(١) هذا التأويل مردود بما أخرجه النسائي (٩٢٧) في الحديث المذكور من رواية معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا: إذا قال الإمام: "غير المغضوب عليهم ولا الضالين"؛ فقولوا: "آمين"، فإن الملائكة تقول أمين، وإن الإمام يقول آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة؛ غفر له ما تقدم من ذنبه". ونحوه عند أبي داود (٩٣٦).
(٢) أخرجه البخاري (٧٨٠) ومسلم (٤١٠/ ٧٢).
(٣) كان الأليق بالمؤلف أن يمشي على ما أصله فيما قعده من قواعد في غير ما موضع من هذا الكتاب؛ وهو أن إعمال الأدلة جميعها والجمع بينها أولى من الترجيح؛ وإن كان هذا سيخالف المذهب؛ لأن العبرة بالدليل وإن خالف المذهب، وقد قيل في الجمع بين هذه الأحاديث وجوه، منها أن المراد بقوله "إذا أمن" أي أراد التأمين، ليتوافق تأمين الإمام والمأموم معا، ولا يلزم من ذلك أن لا يقولها الإمام، وقيل: المراد بقوله: "إذا قال ولا الضالين فقولوا آمين" أي ولو لم يقل الإمام آمين، وقيل: يؤخذ من الخبرين تخيير المأموم قولها مع الإمام أو بعده قاله الطبري، وقيل: الأول لمن قرب من الإمام والثاني لمن تباعد عنه؛ لأن جهر الإمام بالتأمين أخفض من جهره بالقراءة .. انظر الفتح (٣/ ٢٢١ - ٢٢٢).
(٤) تعقبه ابن عبد البر بأنه لا يلزم من تسمية المؤمن داعيا عكسه. التمهيد (٤/ ٢٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>