فإن قيل: فقد قيل في حديث ابن مسعود: "فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك"، وذلك أنه قال:"علمني رسول الله ﷺ التحيات إلى أن قال: وأشهد أن محمدا عبده ورسوله"، ثم قال:"فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك"(١)، فدل أنه إذا لم يفعل لم تتم صلاته.
قيل: قد روينا عنه التخيير بين الجلوس وبين التشهد، وهذا زائد في الحكم، والفائدة فيه أكثر؛ لأنه إن اقتصر على الجلوس؛ جاز، فإن أضاف إليه التشهد؛ كان أكمل، فهو أوسع في الحكم لا محالة؛ لأنكم لا تجيزون الاقتصار على أحدهما.
وعلى أن التمام مشترك بين الكمال وبين الواجب، فنصرفه إلى أنه أراد بالتمام أي قد كملت لا أنه أراد التمام الذي يكون بعد النقصان؛ لأننا قد اتفقنا على أن السلام الذي هو فرض قد بقي، فلم يحصل التمام على حقيقته، فصار التمام باتفاقنا منصرفا إلى غير حقيقته، فأنتم لا يمكنكم أن تصرفوا الجلوس إلى حال الكمال الذي هو الفضيلة لأنه فرض، ونحن يمكننا صرف الكمال والفضيلة إلى التشهد، فنحن أولى.
ثم لنا ما يقضي على هذا، وهو القياس المحدد الذي اعتمدت أنا عليه، وهو أن هذا تشهد للصلاة في جلوس فيها، مع القدرة على القيام، وحفظ أم الكتاب، فهو غير واجب كالتشهد الأول.
فإن قيل: فقد قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
(١) أخرجه البخاري (٦٢٦٥) ومسلم (٤٠٢/ ٥٩) لكن بدون الزيادة المذكورة، وقد تقدم (٤/ ٣٨٩) بيان أنها مدرجة. .