للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن الركوع مأخوذ من الميل، والسجود مأخوذ من الإلصاق.

قيل: الظاهر كما قلتم؛ لولا أن الدلالة قامت على وجوب السجود على الجبهة، فإذا وجب ذلك؛ لم يجز الاقتصار عنها إلا بدلالة.

وعلى أن أكثر الفقهاء يمنعون من التعلق بهذا الظاهر، ويقولون: إن هذا اسم لغوي كالصلاة التي هي الدعاء، ثم يقلب إلى أسماء الشرع بالأوصاف التي فيها.

ولكنني لست أقول: إنها منقولة، بل أقول: إنها أقرت وزيد عليها أوصاف (١)، والركوع فيه ميل، وزيد عليه أوصاف، والسجود فيه إلصاق،


= وذلك أن في حديث النبي الثابت عن ابن عباس: "أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء" فذكر منها الوجه، فمن رأى أن الواجب هو بعض ما ينطلق عليه الاسم؛ قال: إن سجد على الجبهة أو الأنف أجزأه، ومن رأى أن اسم السجود يتناول من سجد على الجبهة ولا يتناول من سجد على الأنف، أجاز السجود على الجبهة دون الأنف، وهذا كأنه تحديد للبعض الذي امتثاله هو الواجب مما ينطلق عليه الاسم، وكان هذا على مذهب من يفرق بين أبعاض الشيء؛ فيرى أن بعضها يقوم في امتثاله مقام الوجوب، وبعضها لا يقوم مقامه، فتأمل هذا فإنه أصل في هذا الباب، وإلا لجاز لقائل أن يقول: إنه إن مس من أنفه الأرض مثقال خردلة تم سجوده، وأما من رأى أن الواجب هو امتثال كل ما ينطلق عليه الاسم؛ فالواجب عنده أن يسجد على الجبهة والأنف .. "بداية المجتهد (٢/ ٢٦٧ - ٢٦٨).
(١) يشير المؤلف هنا إلى مسألة أصولية وقع فيها الخلاف وهي: هل الشرع نقل أسماء من اللغة إلى الشرع، وهو ما يعبر عنه أيضا بالحقيقة الشرعية، فمذهب المعتزلة أنه لا يجوز وقوعها لا عقلا ولا شرعا، وذهب الباقلاني وابن القشيري وبعض الحنابلة والشافعية إلى أنها جائزة لا عقلا غير واقعة شرعا، وانتصر لهذا القول المؤلف، وكذا الباجي في إحكام الفصول، وقالوا فيما ورد عليهم من ذلك كالصلاة والصيام والحج وغير ذلك بأنها غير منقولة، وإنما غلب عرف الاستعمال الشرعي في بعض ما وضع له الاسم. ورده إمام الحرمين وغيره، وذهب إلى أنه واقع شرعا، وذهب بعضهم إلى أنه يجوز في الأصول كالإيمان، دون الفروع العملية=

<<  <  ج: ص:  >  >>