للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منظوم، فالنظم مراد لا المعنى، ومن قرأ بالفارسية؛ فقد أبطل النظم لا محالة كمن فسره بالعربية، وكذلك لو أنشدها بالفارسية، والذي أخذ عليه أن يقرأ معجزا لا غير معجز، وإنما صار للقرآن على غيره مزية بالنظم والتأليف، فإذا زال ذلك؛ صار كسائر الكلام الذي ليس بمعجز.

وأيضا فإن دلالة نبينا هي إعجاز القرآن ونظمه، وكل دلالة لنبي من الأنبياء انقرضت بموته، وإنما يرد إلينا خبرها، ودلالة نبينا معنا، بين أظهرنا إلى من القيامة، وليس ما أُخبر عنه كما يُعايَن، ألا ترى أنه قال: "ليس الخبر كالمعاينة" (١).

فلو جازت القراءة بالفارسية؛ أدى إلى بطلان بقاء دلالة نبينا بين أظهرنا، وصار تفسيره بالفارسية كالخبر عنه.

وقد أبطلنا أن تكون قراءته بالفارسية بنفسه على ما أنزل عليه، وإنما خص بهذه المعجزة لأن الله تعالى أرسل كل نبي بمعجزة في معنى ما تكون عليه أمته، فموسى إلى السحرة، وعيسى إلى الطب، وصالح إلى قوم كان لهم حيوان يشرب الماء الكثير، فبعث صالحا بناقة شربت مياههم كلها، وحلبت لهم من اللبن ما يرويهم كلهم، وأرسل نبينا إلى العرب الفصحاء، أصحاب النظم والنثر، والطويل والقصير، والقوافي والرجز، وحسن تصاريف الكلام، ومعانيه الذي هو صناعتهم وطبعهم، فكانت معجزته عليهم أنه أتى بهذا اللفظ المنظوم المؤلف، فعجزوا عنه مع سهولته على ألسنتهم، فقالوا:


(١) أخرجه أحمد (١/ ٢٧١) الحاكم (٢/ ٣٢١) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وصححه ابن حبان (٦٢١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>