للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإننا نقول: إنهم ما نطقوا بما حكي عنهم إلا كما ذكر في القرآن.

ثم لو قلنا ما ذكروه؛ لم يلزمنا أن نحكي نحن القرآن بلغة أخرى؛ لأنه يجوز أن يحكي الله تعالى معنى ما قالوه بلسان العرب، ثم تعبدنا نحن بتلاوته على ما أنزله، فلا يجوز أن نتعداه، وقد بينا أنه تعبدنا بقراءته عربيا.

وما يذكرونه من قوله تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ (١)، فأنذر به سائر الناس، فإن الإنذار لهم إنما يكون بما يفعلونه من لسانهم، فيقرأه أهل كل لغة بلسانهم، حتى يقع لهم الإنذار اتباعا لهم، كما كانت العامة أتباعا للسحرة في زمان موسى، وأتباعا للطب في زمان عيسى.

وأيضا فيحتمل أن يكون قوله: ﴿لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ أي أعلمكم بما أنزل علي من القرآن من كان منكم عربيا قرأه بلسانه، ومن كان أعجميا تعاطى تعليمه بلسان العرب، لأن الإنذار الإعلام، فيصح أن يقال: إنهم أعلموا أنه قد جاء بقرآن عربي له معان، وفيه حكم وأخبار عما كان ويكون، إذا تعلمتموه علمتم أن مثله لا يكون كذبا، وهذا يصح، ويقدرون أن يتعلموه، ويكون في إخبارهم بصفته أيضا إنذار لهم، لأنه لو قيل للعرب أيضا: قد أنزل الله تعالى على العجم كتابا بألسنتهم، قد عجزوا أن يأتوا بسورة مثله، مع معرفتهم بلغتهم، وتواتر ذلك على العرب حتى علموه ضرورة؛ لكان فيه إنذار لهم إذا قيل لهم: [إنه] (٢) قد تعبدكم بكيت وكيت، وفيه إخبار عما كان ويكون، فتعلموا تلك اللغة إن كنتم تريدون تفهمونه، وإن كان الخبر


(١) سورة الأنعام، الآية (٢٠).
(٢) في الأصل: وإنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>