للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يجدد لهم العهد، فامتنع النبي عن ذلك (١)، فأنزل الله تعالى: ﴿أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ (٢) بعد أن قال تعالى: ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ (٣).

فأوجب قتالهم حيث نكثوا أيمانهم، وغير جائز أن يترك ما أمر به من قتالهم بعد قول الله تعالى في الآية: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ (٤).

فأمر بقتالهم، وخبّر بما يكون من النصر والتشفي خبرا لا يجوز أن ينقلب، فلا يقع بخلاف مخبره، فكيف يجوز أن يعدل عن ذلك ويصالحهم من غير حاجة تدعوه إلى ذلك، مع إخبار الله تعالى أنه يعذبهم بأيدي المؤمنين، ويخزهم وينصركم عليهم، ويشف صدور قوم مؤمنين، ويذهب غيظ قلوبهم، وهذا كله لا يكون إلا بالقهر والغلبة.

فإن قيل: فهذا يوجب على النبي أن يقاتل ولا يترك عن القتال، ولا يَمُن، وأنتم تقولون: إنه من عليهم وترك القتال، فكيف تحتجون بهذا.

قيل: إن القتال ليس مقصورا على مباشرة الأفعال حسب، بل يكون


(١) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (٣/ ٢٣٦ - ٢٣٧) وهو مرسل عن عكرمة مولى ابن عباس. وأخرجه عبد الرزاق (٩٧٣٩) عن مقسم مولى ابن عباس. وانظر الفتح (٧/ ٥٧٤).
(٢) سورة التوبة، الآية (١٣).
(٣) سورة التوبة، الآية (١٢).
(٤) سورة التوبة، الآية (١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>