احصدوهم وهم لا يتمكنون من هذا، فكان ينبغي أن يقول لهم: إن تمكنتم منهم؛ فافعلوا ذلك، فيكون قوله مقرونا بهذا الشرط، فلما أمر أمرا مجردًا بأن يحصدوهم؛ ثبت أنهم قادرون على ذلك بنصر الله تعالى، ووعده إياهم بما وعدهم به.
وأما قول العباس ما قاله من "أنه ﵇ لو دخل مكة على هذا؛ لهلكت"، إنما خشي أن يدخل فيضع السيف ولا يعطيهم الأمان، فأرسل العباس ﵀ بأبي سفيان إليهم ليعلموا أنهم يهلكون إن دخلها النبي ﵇ على ذلك، فقال لهم أبو سفيان ما قال، فتفرقوا ودخلوا المسجد، وألقوا السلاح، فلو كان هناك صلح؛ لكان أبو سفيان يقول لهم: قد عقدنا الصلح بيننا وبينه، وحصل الأمان بعقد الصلح لا بشرط غلق الأبواب ودخول المساجد، وإلقاء السلاح، وإذا كان هكذا؛ صح ما قلناه.
وعلى أن أبا سفيان إنما جاء يتعرف الأخبار لا للصلح، فلو صالح؛ لم يجز صلحه دون رضا القوم وموافقتهم على ذلك.
وقول النبي ﵇:"من دخل داره فهو آمن"؛ كان بعد دخوله البلد، وبعد التمكن منهم، والنبي ﵇ نزل عليهم وهم لا يعلمون في الليل، ولم يكن عند أبي سفيان خبر ولا موافقة من قومه على صلح.
وأما قولهم:"إن معنى قوله ﵇ لما دخلها أنتم الطلقاء"، وأن معنى هذا أنكم عتقاء بشرط الصلح؛ فإننا نقول: قد كان يسوغ لهم أن يقولوا له: بل أنتم الطلقاء؛ لأن هذا الصلح بتراض منا ومنكم، لا بقهر وغلبة علينا، ولكنه قال لهم: أنتم الطلقاء أي قد أمنتكم [من القتل وتجاوزت عنكم،