للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والدليل لنا من طريق الأثر؛ حديث أبي عزة الجمحي، وذلك أنه روي أن أبا عزة الجمحي وقع في الأسر ببدر، فأراد قتله فقال: لا تقتلني فإني ذو عيلة، فأطلقه على أن لا يرجع إلى القتال، فلما رجع إلى مكة قال: سخرت بمحمد، ورجع إلى القتال، فأخذ بدعاء النبي بأن لا يفلت، فلم يفلت ووقع، فلما أراد قتله قال: لا تقتلني فإني ذو عيلة، فقال : "لا يلسع المؤمن من جحر مرتين، أخليتك لتأتي نادي قريش وتقول: سخرت بمحمد، وقتله بيده" (١).

فالدلالة منه أنه أطلقه في المرة الأولى ومنّ عليه بغير شيء.

وقد روى الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه جبير بن مطعم: أن رسول الله قال في أسارى بدر: "لو كان مطعم بن عدي حيا فكلمني في هؤلاء؛ لأطلقتهم" (٢).


(١) أخرجه البيهقي (٦/ ٥٢٠) وقال عقبه: "هذا إسناد ضعيف، وهو مشهور عند أهل المغازي".
وأخرج البخاري (٦١٣٣) ومسلم (٢٩٩٧/ ٦٣) منه قوله: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين". واللسغ واللدغ سواء، والجحر ثقب الحية، وهو استعارة هاهنا، أي: لا يدهى المؤمن من جهة واحدة مرتين؛ فإنه بالأولى يَعتبر. انظر النهاية (٧٣٤).
وقال الخطابي: "يروى بالوجهين من الإعراب: أحدهما: بضم الغين على مذهب الخبر، ومعناه أن المؤمن الممدوح هو الكيس الحازم الذي لا يؤتى من ناحية الغفلة، فيخدع مرة بعد أخرى وهو لا يفطن بذلك ولا يشعر به.
وقيل: إنه أراد به الخداع في أمر الآخرة دون أمر الدنيا.
والوجه الآخر: أن تكون الرواية بكسر الغين على مذهب النهي، يقول: لا يخدعن المؤمن ولا يؤتين من ناحية الغفلة فيقع في مكروه أو شر وهو لا يشعر، وليكن متيقظًا حذرًا، وهذا قد يصلح أن يكون في أمر الدنيا والآخرة معا، والله أعلم". معالم السنن (٤/ ١١٠ - ١١١).
(٢) أخرجه البخاري (٤٠٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>