الجهاد على الأبد كالحج في أول مرة"؛ فإنه قول غلط، وذلك أن من لا يجب عليه فرض الجهاد ولا يتعين عليه في الابتداء؛ فإنه يجوز أن يبتدئ الدخول فيه نيابة عن غيره، وإن كان إذا التقى الصفان؛ تعين عليه، فهو كالمتطوع بالحج لا يجب عليه ابتداؤه، فإن دخل فيه؛ تعين عليه إتمامه والفراغ منه، ولم يدل هذا على أنه يلزمه فرض الحج في كل سنة، فلا فرق بين الجهاد والحج من هذا الوجه، بل إن كانا نفسين في بلد يلي العدو، وقد تعين عليهما جميعًا ابتداء الجهاد، ولا غناء عنهما؛ فلا تجوز نيابة أحدهما عن الآخر، فأما من تعين عليه وحده إذا استناب من لم يتعين عليه ابتداؤه؛ فإنه يجوز، ويصير بمنزلة نفسين عليهما فرض الحج، فلا ينوب أحدهما عن الآخر.
على أننا قد قلنا: إن المقصد من الجهاد نصرة كلمة الإسلام، وإذلال المشركين ليدخلوا في الإسلام أو أداء الجزية، وهذا بالمعاونة يحصل، فالنيابة فيه تصح.
وقوله: "إن شفى الله مريضي فله علي أن أحج كل سنة"؛ فمثله لو قال: إن شفى الله مريضي؛ فله علي أن أغزو بنفسي كل سنة، فأما إن قال: فعلي أن أُخرِج من يغزو؛ فإنه يجوز، كما يقول: فعلي أن أخرج كل سنة حجة؛ فإنه يجوز، لا فرق بينهما.
فإن قيل: فإنه إذا تعين عليه الغزو في الابتداء؛ فهو كما تعين عليه (١٢٦) أن يحج بنفسه.
قيل: هذا غلط، إنما يتعين عليه في الجهاد معاونة المسلمين وشد الكلمة، فإن فعله بنفسه؛ جاز، وإن استناب من يقوم مقامه؛ جاز.