للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بل مدحهم بحفظ فروجهم، ثم جعلهم بالتزويج غير ملومين، ومن هو غير ملوم لا يكون [التزويج] (١) واجبا عليه؛ لأن من فعل ما يجب عليه لا يقال له: أنت غير ملوم، وإنما يكون غير ملوم من فعل المباح، أو المندوب الذي لا يعصى بتركه (٢).

وأيضا فإن الله تعالى مدح نبيه (٣) فقال: ﴿وَسَيِّدًا وَحَصُورًا﴾ (٤)، و"الحصور" على وزن "فعول"، مثل شكور، وقبول، يتكرر منه الامتناع، وهو في اللغة اسم لمن لا يأتي النساء وهو قادر على إتيانهن (٥)، ولا يجوز أن يمدح وهو عاجز عن الفعل (٦)، ألا ترى أنه لا يمدح على صورته التي


(١) في الأصل: بالتزويج.
(٢) انظر إكمال المعلم (٤/ ٥٢٣).
(٣) يعني يحيى .
(٤) سورة آل عمران، الآية (٣٩).
(٥) وقال ابن الأعرابي: هو الذي لا يشتهي النساء ولا يقربهن. وقال الأزهري: رجل حصور إذا حصر عن النساء فلا يستطيعهن. انظر اللسان (حصر).
(٦) قال القاضي عياض في الشفا (١/ ٨٣): "اعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى أنه كان حصورا ليس كما قاله بعضهم: إنه كان هيوبا، أو لا ذكر له، بل قد أنكر هذا حذاق المفسرين، ونقاد العلماء، وقالوا: هذه نقيصة وعيب ولا يليق بالأنبياء ، وإنما معناه أنه معصوم من الذنوب، أي لا يأتيها كأنه حصور عنها، وقيل: مانعا نفسه من الشهوات. وقيل: ليست له شهوة في النساء، وقد بان لك هذا أن عدم القدرة على النكاح نقص، وإنما الفضل في كونها موجودة، ثم يقمعها إما بمجاهدة كعيسى، أو بكفاية من الله ﷿، كيحيى ، ثم هي في حق من قدر عليها، وقام بالواجب فيها، ولم تشغله عن ربه؛ درجة عليا، وهي درجة نبينا الذي لم يشغله كثرتهن عن عبادة ربه، بل زاده ذلك عبادة بتحصينهن، وقيامه عليهن، وإكسابه لهن، وهدايته إياهن، بل قد صرح أنه ليست من حظوظ دنياه هو، وإن كانت من حظوظ دنيا غيره فقال: "حبب إلي من دنياكم".

<<  <  ج: ص:  >  >>