أن يرجع الشرط إلى أمهات النساء؛ لأن النساء لفظ قد خفض بإضافة الأمهات إليه، فلا يجوز أن يصير مخفوضًا بحرف الخفض الذي هو "مِن".
وأيضًا فإن من جعل الدخول شرطًا في الجميع؛ لم يدل نسق الكلام عليه، ولا يدل على أن آخر الكلام معطوف على أوله، لأن الله تعالى قال: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ﴾، فتم به الكلام، واكتفى بنفسه من غير أن يستثني منه شيئًا، ثم قال: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ﴾ صفة للربائب اللاتي هن في حجورنا من نسائنا، ثم قال: ﴿اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾، واللاتي هاهنا صفة لنسائنا، فالدخول شرط في نسائنا اللاتي منهن الربائب في حجورنا، فالتحريم هاهنا حاصل في الربائب بشرط أن يكون من نساء قد دخلنا بهن، وتقديره:"وحرمت عليكم ربائبكم اللاتي في حجوركم من نساء قد دخلتم بهن".
= المعمولين المختلفي العامل كالعطف على معمول العاملين، ومن الجلي أن الصحابة ما اختلفوا في أن العقد على البنت يحرم الأم أم لا؛ إلا لاحتمال موقع العربية في ذلك واختلافه؛ فإن الصحابة بلغاء لسن، وفصحاء لد، فما كان ليخفى عليهم موقع الوضع العربي في النعت الذي يشترك فيه معمول عاملين، فلما اختلفوا؛ دل ذلك على أن الأمر واقع في العربية بالوجهين، فأفتى علي بأن لا يُحرِّم الأمَّ إلا دخولُ البنت، كما لا يحرم البنتَ باتفاق إلا دخولُ الأم، وأفتى بذلك ابن مسعود، ثم رحل إلى المدينة، فتذاكر المسألة مع علمائها، فقالوا له: إن العقد على البنت يحرم الأم خاصة، فرجع عن ذلك، ولم يرجع إليه لفصل من العربية استفاده، ولا لسبيل من اللغة كان جهلها فعرفها، وإنما كان ذلك لنكتة بديعة؛ وهي أن العربية كما قلنا محتملة للوجهين، فأخذ الصحابة بالأحوط في التحريم، وقد كانوا إذا تعارضت عندهم الأدلة، فجاء دليل تحريم ودليل تحليل؛ غلّبوا التحريم احتياطًا، كما قالوا في الأختين بالملك باليمين: أحلتهما آية وحرمتهما آية، والتحريم أولى". القبس (١٤/ ٢١٤ - ٢١٥).