للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالظاهر يقتضي أنه إن آنس منهم رشدًا عقيب البلوغ؛ فقد حصل الشرط، فدليله ما بعد البلوغ بمدة بخلافه، فالظاهر لا يتناول من له خمس وعشرون سنة.

قيل: قوله تعالى: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ (١)، فإن كان "رشدًا" هاهنا نكرة في الإثبات؛ فإن دليل الخطاب يقتضي أنه إذا لم يؤنس منهم رشد؛ لم يدفع إليهم، فهو نفي في نكرة، لأن الصريح إذا كان إثباتًا في نكرة؛ اقتضى دليله أن يكون نفيًا في نكرة، والنفي في النكرة يقتضي أنس الرشد، فإن لم يؤنس منهم كل الرشد؛ لم يدفع إليهم.

وجواب آخر: وهو أنه تعالى أراد رشدًا على صفة، وهو أن يكون ضابطًا لماله غير مبذر له، بدليل ما دون الخمس وعشرين سنة، فإذا ثبت أن الرشد المراد هو هذا؛ فمتى عدم كان الحكم بخلافه.

وقولكم: "إن قوله: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾ الفاء للعقب"؛ غلط؛ لأن هاهنا مراده لتعلق الكلام بعضه ببعض، وهي جواب للشرط في قوله ﴿إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾، والفاء التي للعقب هي على قوله: ﴿فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾، أي إذا آنستم منهم الرشد؛ فادفعوا إليهم عقيب الرشد.

فإن قيل: فإن الرشد هو العقل (٢)، وهو الشرط في زوال الحجر عنه، وتسليم المال إليه.

قيل: لا يجوز أن يحمل الرشد المذكور في الآية على العقل حسب؛


(١) سورة النساء، الآية (٦).
(٢) وبه قال مجاهد والشعبي فيما نقله عنهما ابن جرير في تفسيره (٣/ ٢١٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>