للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن الآية (١٥) تقتضي رشدًا يتوصل إلى معرفته بالاختبار والابتلاء، لأنه أمر بالابتلاء ليؤنس فيه الرشد، والرشد الذي يتوصل إلى معرفته بالاختبار والابتلاء إنما هو الصلاح في المال وضبطه (١)؛ لأنه إنما حجر عليه خوف الفقر بتضييع المال، وهذا لا يعلم إلا بتجربة واختبار، و [العقل] (٢) لا يفتقر في معرفته إلى اختبار، بل يعلم ذلك بالمشاهدة من أول [وهلة] (٣).

ووجه آخر من التعلق لنا بالآية: وهو أنها تقتضي أن المال لا يدفع إليه إلا أن يوجد منه رشد، والرشد هو إصلاح المال، وعند أبي حنيفة أنه إذا بلغ خمسًا وعشرين سنة؛ سلم المال إليه وإن لم يوجد منه الرشد، وهذا خلاف الظاهر.


(١) ورجحه ابن جرير في تفسيره (٣/ ٢١٤٦) وحكى القرافي في الذخيرة (٨/ ٢٣٠) الإجماع عليه، ويعني أن إصلاح المال مراد بالإجماع، وغيره مختلف فيه، وفيه تأمل، وجنح ابن حزم إلى أن المراد بالرشد هو طاعة الله فقال: "نظرنا في القرآن الذي هو المبين لنا ما ألزمنا الله تعالى إياه، فوجدناه كله ليس الرشد فيه إلا الدين، وخلاف الغي فقط، لا المعرفة بكسب المال أصلًا، قال تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ وقال تعالى: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ فصح أن من بلغ مميزًا للإيمان من الكفر؛ فقد أونس منه الرشد الذي لا رشد سواه أصلًا، فوجب دفع المال إليه" المحلى (٧/ ١٤٩ - ١٥١).
قلت: وهو معارض بتفسير ابن عباس له بإصلاح المال، وهو من أئمة اللغة، وفسره بذلك أيضًا غير واحد، والعلة التي من أجلها منع قبل البلوغ هي عدم تمام عقله ونقص معرفته بوجوه التصرف، أضف إلى ذلك "أن الآية خوطب بها المسلمون في أبنائهم، فعلم أن المراد بالرشد معنى زائد على الإسلام". التجريد (٦/ ٢٩٢١) والله أعلم.
(٢) في الأصل: والعفد.
(٣) في الأصل: وصله.

<<  <  ج: ص:  >  >>