للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرشد، ولا يوضع بتناوله إلا بعد خمس وعشرين سنة، ألا ترى أن ما قبلها مجمع عليه في أن المال لا يسلم إليه.

وأيضًا فإنما منع ماله منه لإيناس الرشد فيه طلبًا لمصلحته، وتبقية المال عليه، ومتى بلغ خمسًا وعشرين سنة؛ فقد زال هذا المعنى، ألا ترى أنه يصير جدًّا متى بلغ هذا الحد بجواز أن يتزوج لاثني عشرة سنة، ويولد له لستة أشهر، ويبلغ ولده لاثني عشرة سنة، ويولد له لستة أشهر، ومن صار جدًّا ولم يؤت رشدًا؛ فقد أيس منه هذا المعنى (١)، فلو منعناه بعد ذلك؛ لكان حجرًا عليه في التصرف من غير انتظار شرط آخر (٢)، ومن أصل أبي حنيفة أن الحجر لا يجوز في مال الحر العاقل بوجه (٣).

قيل: ليس في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ (٤) بيان لأشده، ولا أمر بدفع ماله إليه، فيحتاج إلى بيان، وبلوغ أشده عندنا هو ما فسره في قوله: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾، وهذا صريح، فبُيِّن به ما أجمل هناك.


(١) انظر التجريد (٦/ ٢٩٢٨).
(٢) قال ابن حزم: "وهذا كلام أحمق بارد، ويقال له: هبك أنه كما تقول، فكان ماذا؟ ومتى فرق الله تعالى بين من يكون جدًّا وبين من يكون أبًا في أحكام مالهما، وفي أي عقل وجدتم هذا؟! وأيضًا فقد يولد له من اثني عشر عامًا، ولابنه كذلك، فهذه أربعة وعشرون عامًا. وأيضًا فبعد الجد أبو جد، فبلغوه هكذا إلى سبع وثلاثين سنة، أو إلى أربعين سنة لقول الله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾، فظهر فساد هذه الزيادة جملة". المحلى (٧/ ١٤٢ - ١٤٣).
(٣) انظر ما سيأتي (٦/ ٤٨).
(٤) سورة الأنعام، الآية (١٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>