للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروي أن عبد الله بن الزبير لما بلغه كثرة صلاة عائشة وعطاياها قال: "لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها، فسمعت ذلك عائشة، فحلفت أن لا تكلمه، فبلغ ذلك ابن الزبير فركب وأتاها، وسألها أن تكفر عن يمينها، فكفرت عن يمينها وكلمته" (١).

فذهب ابن الزبير إلى أن ما يحصل من عائشة من كثرة العطاء وتفريق المال تبذير منها، تستحق به الحجر، وعائشة - رحمة الله عليها - أنكرت ذلك وسخطته؛ لأنها كانت تصرف مالها في وجوه القرب، والتبذير الذي تستحق به الحجر إنما هو صرف المال في وجوه المعاصي، أو إضاعته من غير نفع يحصل به، فأما من تصدق بماله وصرفه في الطاعات؛ لم يستحق الحجر (٢).

وأيضًا فإن كل من كان في منع [ماله] (٣) منه نظر له، وإصلاح لماله؛ فإنه يستحق منع المال؛ أصله الصبي لما منع ماله منه نظرًا له وإبقاء لماله؛ لأنه لو مكن من المال أتلفه، فمنع منه المال، وكذلك البالغ المبذر.


(١) تقدم تخريجه (٦/ ٣٩).
(٢) قال ابن حزم: "لا ندري كيف استحل مسلم أن يحتج بخطيئة ووهلة، وزلة كانت من ابن الزبير، والله يغفر له إذ أراد مثله في كونه من أصاغر الصحابة أن يحجر على مثل أم المؤمنين التي أثنى الله تعالى عليها أعظم الثناء في نص القرآن، وهو لا يكاد يتجزى منها في الفضل عند الله تعالى .. وقد بلغت به عائشة الإنكار حيث بلغته، فلا يخلو الأمر من أن يكون ابن الزبير أخطأ وأصابت هي، وهو كذلك بلا شك، فلا يحتج بقول أخطأ فيه صاحبه، أو يكون ابن الزبير أصاب وأخطأت هي، ومعاذ الله من هذا، ومن أن تكون أم المؤمنين توصف بسفه وتستحق أن يحجر عليها، نعوذ بالله من هذا القول، فصح أن ابن الزبير أخطأ في قوله". المحلى (٧/ ١٥٨).
(٣) ليست في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>