وقولكم:"إن الصلح يقصد منه في العادة ارتفاق أحد المتعاقدين"؛ فإننا نقول: إن هذا ليس بحكم؛ بدليل أن البيع قد يحط على وجه يجوز أن يكون كما قاله، والمعتبر بالأخذ حق الدافع؛ بدليل أن من اشترى من رجل عبدًا ثم زعم بعد الشراء أنه حر؛ فهو يزعم أن الآخذ لم يحل له أخذ المال إلا أن يأخذ بما ادعى الثمن وكذبه في العتق، واحتمل أن يكون الأمر على ما قاله، فحل له أخذ المال منه.
فإن قيل: فإنه صلح على من لم يثبت له، فوجب أن لا يصح، أصله إذا ادعى على رجل شيئًا فأنكر، فجاء غيره فقال له: صالحني على الحق الذي ادعيته على فلان فأنكره، ولا خلاف أن ذلك الصلح لا يصح.
وأيضًا فإن معاوضته لا تصح مع الجهل؛ فوجب أن لا يصح على الإنكار، أصله البيع؛ لأنه لو ادعى عليه حقًّا مجهولًا فأقر به ثم قال: بعني ذلك؛ لم يجز، ولو ادعى عليه حقًّا معلومًا فأنكره ثم قال: بعني ذلك الحق؛ لجاز، فكذلك لما لم يجز الصلح مع الجهل؛ لأنه لا خلاف أنه لو ادعى عليه حقًّا مجهولًا فأقر به لم يجز أن يصالحه عليه؛ فوجب أن لا يجوز الصلح على الإنكار.
قيل: ما ادعيتم من صلح الغير عما ادعاه على غيره أنه لا يجوز؛ غير (٥٢) مسلم لكم؛ لأنه يجوز عندنا، فنقول: كل موضع جاز للمدعى عليه أن يصالح؛ جاز أيضًا للأجنبي أن يصالح (١).
(١) وهو مذهب أحمد أيضًا. انظر تحفة المحتاج (٢/ ٣٤٢) بدائع الصنائع (٧/ ٤٦٧) المغني (٦/ ٢٧٦).