على ما فسرناه، فإن كان المدعي محقًّا؛ فقد اختار ترك الحكم الذي ربما أدى إلى أن لا يأخذ شيئًا، وقد رضي بإسقاط ما أسقطه، وإن كان مبطلًا والمدعى عليه صادق؛ فقد اختار صيانة عرضه وإسقاط اليمين عن نفسه، ورضي ببذل ما بذله، فكأنه طيب النفس بما يأخذه المدعي.
فلو قلنا: إن من عدل منهما عن الحكم، وترك ما لا يجب عليه بالصلح، وهو قادر على النقص بالحكم؛ قد طابت نفسه، وحل للآخر أخذه؛ لجاز ذلك؛ ومعلوم أن من بذل لصاحبه شيئًا هو قادر على استعمال الحكم فيه؛ فقد رضي بما يبذله، وحل لصاحبه أخذه، فينبغي من هذا الوجه أن يجوز الصلح ولا يمتنع منه.
وأما قولكم:"إن ذلك الحق لم يثبت، وما لم يثبت فإنه لا يجوز أخذ العوض عنه"؛ فإننا نقول: إن هذا يعتبر فيما كان عوضًا عن شيء واحد في حقهما، فأما ما كان عوضًا في حق أحدهما - وهو المدعي عن أمر، وفي حق المدعى عليه في أمر آخر -؛ فلا يدخل عليه ما قالوه.
ثم هذا يبطل بالعبد يشهد بحريته واحد، فلا تقبل شهادته ثم يشتريه أن الرقبة لا يحكم لها بحكم العوض في حقهما جميعًا.
وعلى أن الحق المدعى وإن لم يثبت؛ يجوز أن يكون حقًّا، فيثبت عند الله تعالى، فيجوز أن يصالح عليه باختياره.
وما ذكرتموه من حرية الصلح بالدراهم عن الدنانير والافتراق قبل القبض؛ فلو قلنا: إنه (٥٧)[يرده](١) لأننا لا نتحقق كونه صرفًا؛ لجاز، ولو