للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلما كان الوضوء بالاتفاق لا يجب في انتهائه نطق فكذلك لا يجب في ابتدائه اعتبارًا بالأصول، وهذا أقوى من كل قياس يوردونه.

ولك أيضًا أن تقول: تعري الطهارة عن التسمية لا يبطلها، الدليل على ذلك أنه لو نسي، أو جهل، أو تأول تركها؛ لأن الواجب إذا ترك لم يسقط بالنسيان، ولا بما ذكرناه، وهذا كلام على إسحاق بن راهويه.

قال القاضي: ولي طريقة أنا أعتمد عليها في قوله : "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله"، وهي: أن قوله: "لا وضوء" معقول أنه لم يرد وجود الوضوء؛ لأننا نجده بلا نية ولا تسمية، وإنما أراد الحكم (١)، فقد صار الظاهر مصروفًا عن حقيقته إلى المجاز، إذ الحكم غير مذكور في اللفظ، وإنما هو مضمر محذوف من اللفظ، ومثل هذا لا يصلح الاستدلال بظاهره.

فإن قيل: هذا معلوم من فحوى الخطاب (٢) أنه أراد الحكم؛ لأن الوجود سقط بدليل العقل.

قيل: فالمراد الحكم، وليس هو مذكورًا في اللفظ، والحكم يحتمل أن


(١) قال الشوكاني في النيل (١/ ١٨٧): "الظاهر أن النفي للصحة لكونها أقرب".
وقال ابن دقيق العيد: "الصحة أكثر لزومًا". إحكام الأحكام (١/ ١٠).
(٢) فحوى الخطاب عند الأصوليين هو مفهوم الموافقة الأحروي، وهو ما كان المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق به، وبعضهم يجعله للأحروي والمساوي، ويسمى أيضًا تنبيه الخطاب، ويسمى عند الحنفية دلالة النص.
وأما فحوى الخطاب في اللغة فهو معنى ما يعرف من مذهب الكلام، وجمعه أفحاء، ولعله هو المقصود عند المؤلف هاهنا، ولم يرد المعنى الاصطلاحي. والله أعلم. انظر إحكام الفصول (٢/ ٥١٤ - ٥١٦) الإحكام للآمدي (٣/ ٨٤ - ٨٥) الإبهاج (١/ ٦١٥ - ٦١٧) نثر الورود (٦١ - ٦٢) الصحاح (فحا) اللسان (فحا).

<<  <  ج: ص:  >  >>