فإن قيل: هذا لنا؛ لأن داخل الفم جلد.
قيل: هذا غلط؛ لأن الجلد اسم لما ظهر، فأما داخل الفم فيسمى أَدَمة، ولِثة، ولهاة، والعين شَحمة.
دليل: القياس على العين؛ لأنها لا يجب غسلها، العلة أنه عضو مستتر استتارًا دائمًا من نفس الخلقة المعتادة، فلم يجب غسله في الوضوء.
دليل: رأينا العين بادية ظاهرة، وقلما يطبقها الإنسان، فهي أدخل فيما يواجه به، والفم والأنف ليسا كذلك في غالب أحوالهما، فإذا لم يجب غسل العين فداخل الفم والأنف أولى.
فإن قيل: إن العين لها علة أخرى، وهي المشقة؛ لأنها عضو لطيف لو أدمن إدخال الماء فيها أتلفها، وليس كذلك الفم؛ لأن سلوك الماء فيه معتاد.
قيل له: فداخل الأنف ليس كذلك، فينبغي أن لا توجب الاستنشاق.
على أن هذا المقدار في وقت الطهارة لا يخشى منه على العين، ولعل كثيرًا من الناس يلتذون بدخول الماء فيها، ويستشفون به.
دليل: وهو ما روي عن النبي ﷺ قال: "عشر من الفطرة، خمس في الرأس، وخمس في البدن" (١).
= اللفظ، وذكره الرافعي، ولكن ابن الملقن في تخريجه له في البدر (٢/ ٦٥٠) لم يذكر هذا اللفظ عن أحد، ولا ابن حجر في التلخيص (١/ ١٥٤)، وأوهم صنيع المحقق في قوله (١٣٩): "سبق تخريجه" أنه بهذا للفظ، وليس كذلك، فكان ينبغي له التنبيه عليه. والله أعلم.
(١) أخرج نحوه مسلم في صحيحه (٢٦١/ ٥٦) عن عائشة، ولفظه: "عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف =