ولنا ترجيح آخر: وهو أن مسح الرأس أخف من الغسل، فلما خفف بأن جعل فيه المسح خفف في العدد، ولما كان الغسل في الوجه أثقل من المسح أكد بالعدد، ألا ترى أن الخلاف قد حصل في مسح جميع الرأس، ولم يحصل في جميع الوجه.
وأيضًا فلو كررنا المسح في الرأس لصار أشق من الغسل، أو حصل في معناه، وكل أحد يعلم أن الوجه في غالب الأحوال مكشوف يلاقي البرد والرياح، ويصبر من ذلك على ما لا يصبر عليه ما يتستر من الإنسان، وكذلك اليد يعمل بها ويباشر بها وبالرجل ما لا يحصل في الرأس مثله، ولهذا يتوقى الإنسان من كشف رأسه أو شيء منه، وخاصة في الأوقات التي تُتخوف فيها النزلات والزكام، فكان المسح فيه على كل حال أخف، وكذلك خفف في العدد، والله أعلم.
فإن قيل: فإن الطهارة تشتمل على مغسول وممسوح، فلما ساوى الممسوح المغسول في الوجوب وجب أن يساويه في المسنون، ألا ترى أن الصلاة تشتمل على أفعال وأذكار، ثم لما ساوت الأذكار الأفعال في الوجوب ساوتها في المسنون، فالذكر الواجب فاتحة الكتاب، والمسنون السورة (١).
قيل: عن هذا جوابان:
أحدهما: أن أركان الطهارة قد اختلفت في الممسوح والمغسول في الوجوب عندكم فقيل: جميع الوجه واجب، وليس مسح جميع الرأس واجبًا، فلما افترقا في الوجوب من هذا الوجه وجب أن يفترق في المسنون من المسح.