للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قيل له: هذه الدلالة لا تصح من وجهين:

أحدهما: أن الفاء هاهنا ليست للتعقيب، وإنما دخلت لتعلق الكلام بالكلام، والجملة بالجملة، وجوابًا للشرط بقوله: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا﴾، والفاء التي للتعقيب تكون في الخبر، كقولك: جاءني زيد فعمرو، أو في الأمر كقولك: أعط زيدًا فعمرًا، فأما إذا كانت للجزاء وجواب الشرط فلم تكن للتعقيب.

والفرق بين الفاء التي للتعقيب والفاء التي هي جواب الشرط هو أن الفاء إذا كانت جوابًا للشرط والجزاء لم يصح قطع الكلام عنها، مثل كقولك: إذا جاء زيد فأكرمه، لو وقفت على قولك: "إذا جاء زيد" لم يتم الكلام، والفاء التي للتعقيب يصح قطع الكلام عنها، كقولك: جاءني زيد فعمرو، ولو وقفت على قولك: جاءني زيد صح، وكذلك أعط زيدًا درهمًا فعمرًا، لو اقتصرت على قولك: أعط زيدًا كان الكلام مفيدًا.

والوجه الآخر: هو أننا لو سلمنا أنها للتعقيب لم نسلم هاهنا؛ لأنها قرنت بعدها بالواو التي هي للجمع، فلما دخلت الواو في باقي الأعضاء ثبت أن الفاء ليست للتعقيب؛ لأنه لا أحد يمنع من تقديم اليدين على الوجه إذا


= الترتيب لكن المعطوف على ما دخلت عليه بالواو مع ما دخلت عليه كشيء واحد كما هو مقتضى الواو، فمعنى الآية: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا الأعضاء، فأفادت الفاء ترتيب غسل الأعضاء على القيام إلى الصلاة لا ترتيب بعضها على بعض، وهذا مما يعلم بالبديهة، ولا شك أن السيد لو قال لعبده: إذا دخلت السوق فاشتر خبزًا وتمرًا؛ لم يلزمه تقديم الخبز، بل كيف اشتراهما كان ممتثلًا بشرط كون الشراء بعد دخول السوق، كما أنه هنا يغسل الأعضاء بعد القيام إلى الصلاة". المجموع (٢/ ٤٨٠ - ٤٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>