للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرفيع في مجلس واحد أنكر عليه، وقيل له: تباعد عن قربه.

فإن قيل: إن من عادة العرب في كلامهم أن لا يدخلوا فيه ما ليس من جنسه إلا لحاجة، ألا ترى أنهم يقولون: ضرب الأمير زيدًا وعمرًا وبكرًا، ولا يقولون: ضرب زيدًا، وحبس عمرًا، وضرب بكرًا، فإذا كان هذا عادتهم في كلامهم فقد ذكر الله - تعالى - غسل الوجه واليدين، وأدخل فيه مسح الرأس الذي هو من غير جنس الغسل، ثم أمر بغسل الرجلين، فعلم أنه أدخل المسح بين ذلك لحاجة الترتيب، وأن يكون مستحقًّا، إذ لو لم يكن كذلك لكان أشبه أن يذكر المسح بعد فراغه من الغسل (١).

قيل: ليس هذا مما نحن فيه بسبيل؛ لأن مسح الرأس بالماء من جنس الغسل، والوضوء لا يتم إلا به كما لا يتم إلا بغسل الأعضاء، فإذا كانت الطهارة لا تتم إلا بالغسل والمسح لم يكن بعض الأعضاء بالتقديم أولى من الآخر.

وقد يصح في الكلام أن تقول: أكرم زيدًا وأدب غلامه، وأكرم خالدًا وبكرًا، وإن تخلل بين [الكرامات] (٢) أدب الغلام، ولما كان مسح الرأس لا تتم الطهارة إلا به كما لا تتم إلا بغسل الرجلين، ثم قد سقط حكم الرأس والرجلين في التيمم - الذي هو إحدى الطهارتين - جاز أن يجمع بينهما بالواو.

فإن قيل: إن مذهب العرب الحكمة البداءة بالأقرب فالأقرب، ووجدنا الوجه أقرب إلى الرأس منه إلى اليدين، فلما أمر الله - تعالى - بغسل الوجه،


(١) انظر المجموع (٢/ ٤٧٩).
(٢) هكذا بالأصل، ولعل الصواب: الإكرامات.

<<  <  ج: ص:  >  >>