للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فتوعد على ترك غسل العقب، فلو كان يجوز لنا تركه لم يكن متوعدًا عليه (١)؛ لأن الشيعة تقول: إذا مسح ظاهر القدم ولم يمسح على عقبيه جاز.

وروى عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه [قال] (٢): قلت: يا رسول الله! كيف الوضوء؟ فقال: "أسبغ وضوءك وخلل بين الأصابع" (٣).

وهم يقولون إذا مسح ظاهر القدم أجزأه.


(١) لم يرتض ابن رشد الاستدلال بهذا الحديث على مذهب الجمهور، بل ذهب إلى أبعد من هذا، وهو أن الحديث فيه دلالة على جواز المسح، ونص عبارته من بداية المجتهد (١/ ٣٩٢ - ٣٩٣): "وهذا الأثر وإن كانت العادة قد جرت بالاحتجاج به في منع المسح؛ فهو أدل على جوازه منه على منعه؛ لأن الوعيد إنما تعلق فيه بترك التعميم لا بنوع الطهارة، بل سكت عن نوعها، وذلك دليل على جوازها، وجواز المسح هو أيضًا مروي عن بعض الصحابة والتابعين، ولكن بطريق المعنى، فالغسل أشد مناسبة للقدمين من المسح، كما أن المسح أشد مناسبة للرأس من الغسل، إذ كانت القدمان لا ينقى دنسهما غالبًا إلا بالغسل، وينقى دنس الرأس بالمسح، وذلك أيضًا غالب" اهـ.
قلت: ويمكن أن يجاب عنه بأن من رأى المسح لم يوجب الاستيعاب كما تقدم نقله عن ابن عبد البر، وأيضًا فإن في إحدى رواياته في صحيح مسلم (٢٤١/ ٢٦): "وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء"، فذكر الحديث. وهذا يدل على أن مخرج الحديث عن ترك إيعاب الغسل لا المسح.
وقال ابن عبد البر: "وأوضح من هذا ما في حديث عبد الله بن الحارث: "ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار". ومعلوم أن المسح ليس شأنه الاستيعاب، ولا خلاف بين القائلين بالمسح على الرجلين أن ذلك على ظهورهما لا على بطونهما، فتبين بهذا الحديث بطلان قول من قال بمسح القدمين؛ إذ لا مدخل لمسح بطونهما عندهم، وأن ذلك إنما يدرك بالغسل لا بالمسح". التمهيد (٢/ ٤١٢) وانظر أيضًا الفتح (١/ ٤٩٥ - ٤٩٦).
وينبغي التنبيه أن ابن رشد إنما رد الاستدلال بالحديث على الغسل، لا أنه يقول بجواز المسح، وهذا ظاهر من كلامه. والله أعلم.
(٢) ما بين المعقوفتين ساقط من المطبوع.
(٣) تقدم تخريجه (٢/ ٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>