للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: ﴿لَا يَمَسُّهُ﴾ يحتمل معنيين:

أحدهما: أن يكون لفظه نهيا، كما إذا نهيت غائبا قلت: لا يمس فلان هذا (١).

ويحتمل أن يكون لفظه للخبر، والمراد به النهي أو الأمر؛ لأنه لو كان خبرا حقيقة لما جاز أن يقع بخلاف مخبره، فلما وجدنا أنه يمسه من ليس على صفة الطهارة من جنب وغيره علمنا أن المراد به النهي، فصار تقديره: لا تمسوا المصحف إلا وأنتم مطهرون ومثل هذا قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ (٢)، والمراد به الأمر، وصيغته صيغة الخبر، وهذا في القرآن كثير (٣).

فإن قيل: المراد بالكتاب المكنون اللوح المحفوظ، وبالمطهرين الملائكة، بدليل أنه سماه محفوظا مكنونا، والمصاحف ليست بمحفوظة (٤).

قيل: عن هذا جوابان:

أحدهما: أنه قال: ﴿تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، ولا يعرف قرآن منزل إلا


(١) وعليه فينبغي أن يكون بفتح السين لا بضمها.
(٢) سورة البقرة، الآية (٢٢٨).
(٣) ومنه قوله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾، وقوله: ﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا﴾ على قراءة من رفع الراء. ومنه أيضا في السنة كثير. وانظر المجموع (٢/ ٧٠٨).
(٤) وكلام مالك في الموطأ (١/ ١٣١) يومئ إلى هذا حيث قال: "أحسن ما سمعت في هذه الآية: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ إنما هي بمنزلة هذه الآية التي في عبس وتولى: قول الله : ﴿كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾ [سورة عبس: ١١ - ١٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>