للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: قوله : "لا يمس المصحف إلا طاهر" أراد أن لا يمس مشرك (١).

قيل: الجواب عن هذا من وجوه:

أحدها: أن خبر ابن عمر يسقط هذا؛ لأن ابن عمر كان مسلما، وقد نهي أن يحمله (٢) إلا وهو طاهر.

ووجه آخر: وهو أنه عام في كل مشرك ومسلم ليس على طهارة.


(١) الطاهر يطلق بالاشتراك على المؤمن، والطاهر من الحدث الأكبر، والأصغر، ومن ليس على بدنه نجاسة، ويدل لإطلاقه على الأول قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾، وقوله لأبي هريرة: "المؤمن لا ينجس". وعلى الثاني: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾. وعلى الثالث قوله في المسح على الخفين: "دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين". وعلى الرابع الإجماع على أن الشيء الذي ليس عليه نجاسة حسية ولا حكمية يسمى طاهرا، وقد ورد إطلاق ذلك في كثير، فمن أجاز حمل المشترك على جميع معانيه؛ حمله عليها هنا، والمسألة مدونة في الأصول، وفيها مذاهب، والذي يترجح أن المشترك مجمل فيها، فلا يعمل به حتى يتبين.
وقد وقع الإجماع على أنه لا يجوز للمحدث حدثا أكبر أن يمس المصحف، وخالف في ذلك داود. نيل الأوطار (١/ ٢٦٦ - ٢٦٧).
قلت: وفي نقله الإجماع نظر؛ فقد خالف في ذلك حماد والحكم كما قدمه المصنف في طليعة المسألة.
(٢) تعبير المصنف بالحمل هنا يخالف ما ذكره في حديث ابن عمر أنه نهي عن عن المس لا الحمل، وقد روي النهي عن الحمل أيضا ذكره الرافعي وغيره، لكن قال ابن الملقن: "هذه الرواية غريبة، لا أعلم من رواها على هذا الوجه بجملته؛ ولا بلفظ الحمل". البدر (٢/ ٥٠٢) وقال ابن حجر في التلخيص: "لا يعرف هذا اللفظ في شيء من كتب الحديث، ولا يوجد ذكر حمل المصحف في شيء من الروايات".
قال ابن الملقن بعد أن ذكر الأحاديث الواردة في المس: "فهذه أحاديث وأثر كلها بلفظ المس، مع أن تحريم الحمل مستنبط من باب أولى". البدر (٢/ ٥٠٥).
قلت: ولعل هذا هو الذي قصده المصنف هاهنا، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>