للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالى: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾ (١)، دخل فيه الضرب؛ لأن الضرب فيه أف وما هو أبلغ من أف، ولو نص على الضرب لم يقع فيه التنبيه على المنع من أف؛ لأنَّه ليس في أف معنى الضرب ولا الأذى به، ألا ترى أنه لو قيل: فلان يخفر الأمانة في درهم أو دانق لكان فيه تنبيه على أنه يخفر في الدينار، وما هو أكثر منه؛ لأن في الدينار الدرهمَ والدانق، ولو قيل: إنه يخفر الأمانة في دينار لم يدل على أنه يخفرها في درهم أو دانق؛ لأنَّه ليس في الدرهم والدانق دينار، وقد قال تعالى: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ﴾ (٢)، فعلم أن من أدى الأمانة (٨٠) في القنطار كان أولى أن يؤديها في الدينار، ومن لم يؤد الأمانة في الدينار كان أولى ألا يؤديها في القنطار.

فكذلك أيضا فيما عدا الروث والرمة من الطاهر، إذ ليس في الطاهرات معنى الروث والرمة، فلم يقع التنبيه عليها، بل يقع التنبيه على ما في معناها من سائر النجاسات التي هي أعظم منها، أو من الأشياء المبعدات المكرهات.

والوجه الثاني: هو أن قول الراوي: "ونهى عن الروث والرمة" (٣) استثناء من عموم قد تضمنه حكم اللفظ، ألا ترى أنه لو قال: "استنجوا بثلاثة أحجار إلا الروث والرمة فلا تستنجوا بهما" لكان المعنى في اللفظين واحدا، فإذا كان اللفظ يتضمن هذا فقد تضمن عموما تقديره كأنه قال: "وليستنج بثلاثة أحجار، وبكل شيء جامد مثل الأحجار إلا الروث والرمة".

ولنا أيضا حديث عبد الله بن مسعود أن النبي رمى بالروثة وقال:


(١) سورة الإسراء، الآية (٢٣).
(٢) سورة آل عمران، الآية (٧٥).
(٣) تقدم تخريجه (٢/ ٢٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>