ثم أخذ المشعل بعده أصحابه الكرام، فقاموا بالدور حق القيام، فعلموا الأمة، وكشفوا عنها الغمة، وأخرجوها بالفقه في الدين من الظلمة.
ثم قام بهذا العلم بعدهم التابعون مع أتباعهم، فساروا على نهجهم ودربهم، وتطور الفقه الإسلامي في عهدهم وبعدهم، وزاد انتشارا وذيعا، وكثرت المدارس الفقهية وازدهرت، وفتح باب الاجتهاد أمام العلماء المؤهلين، ليغطي حاجات الأمة الإسلامية التي اتسعت رقعتها، وامتدت سلطتها، ودخل فيها الناس أفواجا، "فكثرت النوازل، وظهر الفقهاء المفتون والقضاة العادلون، فصار للفقه مكان واعتبار، إذ فتحت الأقطار، ومصرت الأمصار، واتسعت بالإسلام الديار، عصر التمدن العربي والتقدم الإسلامي، فنزلت النوازل، وظهرت جزئيات النصوص، التي كانت كامنة بين العموم والخصوص، فاجتهد الفقهاء، واستنبطوا الآراء، وأسسوا المبادئ، وقعدوا وأطلقوا.
ورووا السنن، وفسروا القرآن الكريم، فعمموا وخصصوا، وقيدوا وأطلقوا، واستعانوا عليه بالآثار، فجمعوها وفحصوها، وانتقدوا ما انتقدوا منها، وبينوا ما يصلح للدلالة وما فيه قادح، ومارسوا كيفية اندراج الجزئي في الكلي، والخاص تحت العام، وقاسوا النظير على نظيره، والشبيه على شبيهه، وصيروا هذه الأصول علوما وصناعات، لمزيد من الممارسات، لينضبط بذلك الفقه، وينتظم أمر الاجتهاد الذي يتوقف عليه تقدم الأمة وصون حقوقها" (١).