للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي هذا الوقت انتشرت المذاهب الفقهية، والمدارس التي اختارت نمطا في الاجتهاد والاستنباط، كمذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، والمذاهب التي انقرضت فيما بعد كمذهب الليث والأوزاعي وغيرها (١)، وكثر الاختلاف بينهم في المسائل الفرعية اختلافا لا بد من وقوعه ووجوده لاختلاف مدارك الفقهاء المجتهدين وأنظارهم.

وبعد هذه الحقبة بدأت كثير من المذاهب في الانقراض، ولم يبق منها محفوظا متكاملا إلا المذاهب الأربعة المشهورة، وانتشر كل مذهب منها بقطر معين، فمذهب أبي حنيفة بالكوفة والعراق، ومذهب الشافعي أيضًا بالعراق وبغداد والشام واليمن ومصر فيما بعد، ومذهب أحمد ببغداد ثم بالشام بعد ذلك.

وأما مذهب مالك فقد شيد أصوله الإمام مالك بن أنس الأصبحي، ووضع معالمه وضوابطه، وكتب الله له القبول، وهيأ له تلاميذ بررة اعتنوا بأقواله ومذهبه، وتأثروا بمنهجه وطريقته، مما كان له الأثر البليغ في نشر مذهبه، ورفعة مكانته وذيع صيته، فانتشر مذهبه بالمدينة أولا، وغلب عليها وعلى الحجاز كله، ثم انتشر في الأندلس حتى صار المذهب الرسمي للدولة الإسلامية فيها في زمن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك، وكان ذلك في حياة الإمام مالك وقريبا من وفاته (٢).


(١) وعدة المذاهب المنقرضة تسعة مذاهب: مذهب إسحاق ابن راهويه، أبي ثور، الليث بن سعد، الأوزاعي، الثوري، الحسن البصري، سفيان بن عيينة، ابن جرير الطبري، داود الظاهري، وانقرضت ابتداء مما بعد القرن الرابع.
(٢) ترتيب المدارك (١/ ٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>