للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحدهما: أن من حمل الآية على الجماع جعل اللمس كناية عنه، ومن حمله على اللمس حمله على الحقيقة (١)؛ لأن عليا وابن عباس قالا: كنى الله - تعالى - بالملامسة عن الجماع.

والوجه الثاني: هو أنه إذا حمل اللمس على الجماع حمل على التكرار الذي لا فائدة فيه (٢)؛ لأن الله - تعالى - ذكر في الآية الجنب بقوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾، فوجب أن يحمل اللمس على المس دون الجماع؛ كي لا يكون حملا على التكرار وتكون فيه فائدة أخرى (٣).

فإن قيل: فإن ابن عباس قال: "إن اللمس كناية عن الجماع" (٤)، ومتى حمل اللفظ على الكناية لم يجز حمله على الصريح لاختلافهما.


(١) والمجاز إذا كثر استعماله؛ كان أدل على المجاز منه على الحقيقة، كالحال في اسم الغائط الذي هو أدل على الحدث الذي هو فيه مجاز منه على المطمئن من الأرض الذي هو فيه حقيقة، والذي أعتقده أن اللمس وإن كانت دلالته على المعنيين بالسواء أو قريبا من السواء؛ أنه أظهر عندي في الجماع وإن كان مجازا؛ لأن الله قد كنى بالمباشرة والمس عن الجماع، وهما في معنى اللمس، وعلى هذا التأويل في الآية يحتج بها في إجازة التيمم للجنب دون تقدير تقديم فيها ولا تأخير. بداية المجتهد (١/ ٤٩٦).
(٢) بل يستفاد به فائدة أخرى وهو جواز التيمم للجنب. التجريد (١/ ١٧٦).
(٣) ليس هناك تكرار، بل فيه فائدة أخرى، فإن الله أوجب غسل الأعضاء التي ذكرها بالماء، ثم قال: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ يريد الاغتسال بالماء، ثم قال: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ يريد الجماع الذي يوجب الجنابة، ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ تتوضؤون به من الغائط، أو تغتسلون به من الجنابة كما أمرتكم في أول الآية ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾. قالوا: فإنما أوجب في آخر الآية التيمم على من كان أوجب عليه الوضوء والاغتسال بالماء في أولها .. التمهيد (٥/ ٩٤) وانظر أيضا شرح فتح القدير (١/ ٥٦).
(٤) تقدم تخريجه (٢/ ٣٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>