للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فعلوا ذلك بغير علم، ثم شرع النبي لهم شرعا يعملون عليه، ألا ترى إلى قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا﴾ (١)، فليس هذا بمستحيل، وقد كان أيضا بحضرته منافقون وأعراب لا علم لهم، مثل الذي بال في المسجد (٢).

قيل: أما التجارة واللهو الذي انفضوا إليه فإن التجارة مما يجوز أن يفعلها الإنسان، فإنما يقبح فعلها مع ترك الصلاة من حيث الشرع، وقد كان جائزا فعل ذلك، ثم ورد النهي عنه، وكذلك اللهو إنما كان بالأصوات والفرح الذي يتباشرون عند ورود تجاراتهم من المواضع، وهذا شيء تدعو إليه النفس، ثم حظر عليهم (٣)، وليس كذلك الضحك من مثل هذا؛ لأنه أمر لا يستحسنه إسلامي ولا جاهلي، ويقبح قبل الشرع وبعده، وكذلك فعل الأعرابي في المسجد (٤) إنما قبح بالشرع.


(١) سورة الجمعة، الآية (١١).
(٢) تقدم تخريجه (٢/ ٢٦١).
(٣) أخرج البخاري (٩٣٦) ومسلم (٨٦٣/ ٣٦ - ٣٧ - ٣٨) من حديث جابر قال: "بينما نحن نصلي مع النبي إذ أقبلت عير تحمل طعاما، فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي إلا اثنا عشر رجلا، فنزلت هذه الآية: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا .. ﴾ وقال ابن حجر: "ظاهر في أنها نزلت بسبب قدوم العير المذكورة، والمراد باللهو على هذا ما ينشأ من رؤية القادمين وما معهم .. إلى أن قال: واستشكل الأصيلي حديث الباب فقال: إن الله تعالى قد وصف أصحاب محمد بأنهم ﴿لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾، ثم أجاب باحتمال أن يكون هذا الحديث كان قبل نزول الآية. انتهى، وهذا الذي يتعين المصير إليه، مع أنه ليس في آية النور التصريح بنزولها في الصحابة، وعلى تقدير ذلك فلم يكن تقدم لهم نهي عن ذلك، فلما نزلت آية الجمعة وفهموا منها ذم ذلك؛ اجتنبوه، فوصفوا بعد ذلك بما آية النور". الفتح (٣/ ٤٧٠ - ٤٧١).
(٤) تقدم تخريجه (٢/ ٢٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>