للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ليس في الجنة عبادة فنقول: إن الآية توجب أن يكون الشراب طاهرا في نفسه مطهرا لغيره، وليس إذا لم تكن على أهل الجنة عبادة ما يجب أن نسلب الماء صفته (١).

ثم إنه ينقلب عليهم في طاهر إن كان هذا معناه عندهم؛ لأنه إنما يقال: طاهر ونجس في موضع العبادة، فإذا لم تكن هناك عبادة وقد ذكر الطاهر جاز أن يخبر عن تطهيره لغيره وإن لم تكن هناك عبادة، وإنما أراد تعالى أن يخبرهم أن لهذا (١٢٧) الشراب فضيلة تزيد على شراب الدنيا، وهو مما لو تعبدتكم بعبادة لجاز أن تتقربوا إلي باستعماله، كما أني في دار الدنيا جعلت الماء فضيلة على غيره، وهو أنه يطهركم، فكذلك لسائر أشربة الجنة فضيلة على سائر أشربة الدنيا.

وجواب آخر: وهو أنه تعالى أراد أن يصف لنا شراب الجنة بشيء مما نعرفه بيننا، ووجدنا أشرف الأشربة عندنا هو الماء الذي هو طاهر مطهر، فوصف شراب أهل الجنة بأشرف شيء نعرفه، ألا ترى أنه تعالى ذكر الأشياء التي نعرفها في الدنيا، ونستلذها من الخمر والعسل واللبن وقال: ﴿وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾ (٢)، وذكر الحور العين، وقال: ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ (٣)، وليس في الجنة بكرة ولا عشي، فكذلك هذا.

فأما ما روي عن عبد الله بن [عمر] (٤)، وقوله: "التيمم أحب إلي من


(١) انظر المجموع (٢/ ٢٥).
(٢) سورة الواقعة، الآية (٢١).
(٣) سورة مريم، الآية (٦٢).
(٤) في الأصل: عمرو، وانظر ما تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>