وليس هو متلفا، ولا نسلم أن من شرط الوضوء إتلاف الماء، لأنه يجوز له أن يجمعه ليشربه، والوضوء به على ما شرحناه، فلم نسلم وصف علتهم.
ونقول أيضا: إن الإجماع حاصل على جواز استعمال الماء المستعمل، وذلك أن الماء إذا لاقى أول جزء من أجزاء العضو فقد صار مستعملا، ثم يمره على كل جزء بعده وهو مستعمل، فيجزئه فلو كان التوضؤ بالماء المستعمل لا يجوز لم يجزئه إمراره على باقي العضو، ولوجب عليه أن يأخذ لكل جزء من العضو ماء جديدا (١).
فإن قيل: إن الماء المستعمل - عندنا - هو إذا سقط عن جميع العضو، فأما ما دام على العضو فليس بمستعمل.
ووجه آخر: وهو أنه وإن صار في أول جزء مستعمل فإن الماء ذو طبقات، فالطهارة لباقي العضو تقع بالطبقة التي لم تلاق الجزء الأول.
قيل: قولكم: "إنه لا يكون مستعملا حتى يسقط عن العضو "يلزمكم أن لا يكون مستعملا حتى يسقط عن الأعضاء كلها، لأن حكم الحدث لا يزول، والطهارة لا تتم إلا بغسل الأعضاء كلها، ألا تري أنه لا يصح أن يصلي، ولا يكون متوضئا بغسل بعض الأعضاء وترك البعض مع القدرة، لأن الأعضاء كلها كالعضو الواحد في حكم الوضوء.
وقولكم:"إن الماء ذو طبقات" خطأ في جهة المشاهدة؛ لأن الطبقة الأولى يذهب منها جزء وينحدر باقيها على باقي العضو، فإن كان طبقات الثاني غير الأول فما يفضل عن العضو هو طبقة أخرى غير مستعملة على حسابكم.
(١) ذكر هذا الدليل أيضا ابن حزم في المحلى (١/ ١٨٢).