وأما القياس فهو فارس ميدانه، العارف بأحكامه وطرائقه، لا تكاد تخلو مسألة من المسائل دون أن يذكر فيها أدلة القياس، وقد أكثر منها المصنف فأبهر الناس، مما دل على علو كعبه، وتمكنه من هذا الفن وإتقانه، جعله عمدته في كثير من المسائل، ودحض به حجج المخالف وشفى السائل، استعمله استعمالا لا تكاد تجده إلا عند الأفذاذ من الفقهاء، ممن تشبع بهذا العلم، واختلط بشحمه ودمه.
وقد يفرده أحيانا بعنوان خاص فيقول: دلائل القياس، ثم يسترسل في جمع الأشباه والنظائر، مطلقا قلمه السيال، وذهنه المتيقظ، مما قد يصل أحيانا إلى صفحة بكاملها أو أزيد، كلها في الأقيسة المناسبة، وتشبيه النظير بالنظير.
وقد يبدأ ذلك بقوله: ولنا من القياس كذا وكذا، أو يقول: دليل من القياس، أو يقول: ولنا أن نقيس ذلك على كذا وكذا.
ويورد القياس أيضا على لسان المخالف، ثم يعقبه بقوله: وقياسنا أولى من وجوه، فيستطرد في ذكرها.
أو يقول: ولقياساتنا فضل الترجيح من وجوه.
أو يقول: ثم لو صح القياس لرجح قياسنا من وجوه.
إلى غير ذلك من العبارات، الدالة على تفننه وتمكنه، فكان كتابه جامعا بين الدليل الأثري، والدليل النظري، مما زاد في حسنه، وأعلى من قدره وشأنه.