للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجازت إراقته، ألا ترى أن إنسانا لو اضطر إلى أكل الميتة ثم يشرب من إناء لعافته النفس حتى يراق الماء، ويغسل الإناء منه تنظفا وتنزها، فكذلك الكلب إذا ولغ فيه؛ لأنه لا يجتنب أكل الأنجاس في الغالب، فتعافه النفوس، فيؤمر الإنسان بإراقته وغسل الإناء؛ لأن التنزه من الأقذار مندوب إليه، وليس إراقته - عندنا - فرضا، ولا غسل الإناء منه فرض (١).

ويحتمل أن يكون ذلك تغليظا عليهم في الماء؛ لأنهم نهوا عن اقتنائها؛ لأنها تروع الضيف والمجتاز، كما قال ابن عمر، والحسن (٢)، فلما لم ينتهوا غلظ عليهم في الماء لقلة المياه عندهم في البادية، حتى يشتد عليهم فيمتنعوا من اقتنائها، لا لأنها نجسة.

والدليل على أنه على وجه التغليظ دخول العدد والتراب فيه؛ لأنه مع قلة المياه عندهم يجتمع عليهم إراقة الماء من الإناء، وتكرير الغسل سبع مرات بالماء، ثم بالتراب الذي لم يدخل في سائر الأنجاس التي هي أغلظ من ولوغ الكلب؛ لأن الدم والبول والعذرة المتفق على نجاستها أغلظ من ريق الكلب المختلف في طهارته، طهارته، فلما لم يدخل العدد والتراب في الأغلظ، ودخل في الولوغ الذي هو أضعف علم أنه لم يدخل لنجاسته.

وقد رأينا العدد في الغسل قد دخل عبادة لا لنجاسة كوضوء الإنسان،


(١) وقيل بوجوبه. انظر الإشراف (١/ ١٦٤ - ١٦٥).
(٢) قال ابن حزم: "وقال بعضهم: قد جاء أثر بأنه إنما أمر بقتلها لأنها كانت تروع المؤمنين. قيل له: لسنا في قتلها، إنما نحن في غسل الإناء من ولوغها، مع أن ذلك الأثر ليس فيه إلا ذكر قتلها فقط، وهو أيضا موضوع لأنه من رواية الحسين بن عبيد الله العجلي، وهو ساقط". المحلى (١/ ١٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>