للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وينفك منه غالبا، بان لونه أو طعمه فيه.

وأيضا فإن الدموع والعرق لا يجوز الوضوء به، العلة فيه أنه مائع لا يعد للعطش، فكذلك ماء الزعفران الذي اختلفنا فيه.

فإن قيل: فإن إطلاق الاسم هو الأصل، والتقييد داخل عليه، كما أن الأصل هو التخفيف، والتثقيل داخل عليه، والأصل التذكير، والتأنيث داخل عليه والأصل الحقيقة والمجاز داخل عليه؛ لأن واضع اللغة لا يضع التقييد، وإنما يضع الاسم لجملة أشياء، يتقيد في بعضها بقلة الاستعمال، ويصير مطلقا في بعضها لكثرة الاستعمال، فصار التقييد داخلا في الوضع، فمدعيه يحتاج إلى دلالة كمدعي المجاز.

قيل: إنما يرجع في هذا إلى وضع اللغة فما كان مطلقا منها فهو معروف، وما قيدوه خرج عن الإطلاق، وقد قيدوا في مسألتنا فقالوا: ماء الخلوق، وماء الزعفران وماء الأشنان (١)، وماء الباقلاء، فعرف من قولهم هذا خلاف ما يعقل من قولهم: ماء غير مقيد، وكذلك يعقل من قولهم: ماء نجس، وماء مستعمل، وماء مشمس، وماء مغلي ما يعقل من قولهم: ماء مطلق، فليس يحتاج في هذا إلى دلالة أكثر من تقييدهم.

ثم إن الشريعة بعد ذلك ميزت أحكام ما قيدوه، فما كان من المقيد بصفة لم ينفك منها، أو لم يؤثر في عينه شيء حل فيه أجرته مجرى المطلق.

وما أثر فيه مما حل فيه وليس من قراره فما كان طاهرا حصل الماء طاهرا غير مطهر، وما كان نجسا حصل الماء غير طاهر ولا مطهر.


(١) شجر من الحمض يغسل به الأيدي، وهو نافع للجرب والحكة، جلّاء منق. اللسان (أشن).

<<  <  ج: ص:  >  >>