للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم لما خص النبي النيء بالمنع بقي الباقي على الجواز على ما دل عليه الخبر؛ لأن النبي لم يبين في وقتِ قيل له: معي نبيذ.

قيل: لا يجوز التخصيص بمثل معنى المخصوص منه، ونحن نعلم أن الطبخ لم يغير من حكمه شيئا؛ لأن الغلبة من التمر للماء والشدة المخصوصة فيه على ما هي عليه في النيء، فإذا لم يجز التوضؤ بالأصل الذي نص عليه وارتفع حكمه كان فيما لم يرد النص فيه وعلة النيء فيه موجودة أولى أن لا يجوز.

ثم مع هذا فإن النبي كان ينهى عن النبيذ المشتد، وينهى عن الانتباذ في أوعية مخصوصة (١) لئلا يسرع إليها النش والشدة، ويعلم أن ابن مسعود لا يكون معه نبيذ مشتد وهو نيء طاهر بإجماع.

فإذا ثبت عنه المنع بالتوضؤ بمثل هذا كان محالا أن يجوزه فيما قد اشتد وقد نهى عن شربه، وصار مختلفا في نجاسته، ويمنع من جوازه في


(١) يشير إلى ما أخرجه البخاري (٥٣) ومسلم (١٧/ ٢٣) من حديث ابن عباس قال: "إن وفد عبد القيس أتوا النبي إلى أن قال: ونهاهم عن أربع عن الحنتم، والدباء، والنقير، والمزفت، وربما قال المقير". والحنتم بفتح المهملة وسكون النون وفتح المثناة من فوق: هي الجرة، كذا فسرها ابن عمر في صحيح مسلم، وله عن أبي هريرة: الجرار الخضر وروى الحربي في الغريب عن عطاء أنها جرار كانت تعمل من طين وشعر ودم.
والدباء بضم المهملة، وتشديد الموحدة، والمد هو القرع، قال النووي: والمراد اليابس منه. وحكى القزاز فيه القصر.
والنقير: بفتح النون، وكسر القاف: أصل النخلة ينقر فيتخذ منه وعاء.
والمزفت: بالزاي والفاء: ما طلي بالزفت.
والمقير: بالقاف والراء الأخيرة: ما طلي بالقار، ويقال له القير، وهو نبت يحرق إذا يبس تطلى به السفن وغيرها كما تطلى بالزفت فتح الباري (١/ ٢٦٢ - ٢٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>