درجات: الأولى: التغابي، وهو أن يرتكب الكبيرة أحيانا مستقبحا إيّاها. والثانية: الانهماك، وهو أن يعتاد ارتكابها غير مبال بها. والثالثة: الجحود، وهو أن يرتكبها مستصوبا إياها، فإذا شارف هذا المقام، وتخطى خططه؛ خلع ربقة الإيمان من عنقه، ولابس الكفر، وما دام في درجة التغابي، أو الانهماك فلا يسلب عنه اسم المؤمن، لاتصافه بالتصديق الذي هو مسمى الإيمان. انتهى بيضاوي.
وخذ ما قاله الزمخشري رحمه الله تعالى، وهو من نظمه: [الكامل]
يا من يرى مدّ البعوض جناحها... في ظلمة اللّيل البهيم الأليل
ويرى عروق نياطها في نحرها... والمخّ في تلك العظام النّحّل
اغفر لعبد تاب من فرطاته... ما كان منه في الزّمان الأوّل
ولعلّها توبته من الاعتزال، والله أعلم بحقيقة الحال، وإليه المرجع والمآل.
الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {اللهَ:} اسمها. {لا:} نافية. {يَسْتَحْيِي:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل مستتر يعود إلى الله، تقديره هو، والجملة الفعلية في محل رفع خبر ({إِنَّ})، والجملة الاسمية مبتدأة، أو مستأنفة لا محل لها.
({إِنَّ}): حرف ناصب. {يَضْرِبَ:} فعل مضارع منصوب ب {إِنَّ،} والفاعل يعود إلى {اللهَ} أيضا، و {إِنَّ} والفعل والمضارع في تأويل مصدر في محل جر بحرف جر محذوف، التقدير:
من ضرب، والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما، وهذا عند الخليل، وأما سيبويه فيعتبر المصدر في محل نصب بنزع الخافض، وبعضهم يعتبره مفعولا به بإجراء اللازم مجرى المتعدي.
{مَثَلاً ما بَعُوضَةً} في هاتين الكلمتين أعاريب واعتبارات: الأول: اعتبار الفعل {يَضْرِبَ} بمعنى «يجعل» نصب {مَثَلاً} و {بَعُوضَةً} مفعولين، و {ما} صفة: {مَثَلاً،} أو زائدة.
والثاني: اعتبار {بَعُوضَةً} عطف بيان من {مَثَلاً} و {ما} صفة، أو زائدة. والثالث: اعتبار ({بَعُوضَةً}) بدلا من {مَثَلاً} و {مَثَلاً} مفعول به، و {ما} صفة أو زائدة للتأكيد. والرابع: اعتبار {بَعُوضَةً} مفعولا به و {مَثَلاً} حال منها؛ لتقدّمه عليها. والخامس: اعتبار {ما} نكرة صفة {مَثَلاً} أو بدل منها، و {بَعُوضَةً} عطف بيان على {ما}. هذا؛ وقال القرطبي، وهو في مغني اللبيب أيضا: نصبت {بَعُوضَةً} على تقدير إسقاط الجار، المعنى: أن يضرب مثلا ما بين بعوضة، فحذفت «بين» وأعربت بعوضة بإعرابها، والفاء بمعنى «إلى» أي: إلى ما فوقها، وهذا قول الكسائي، والفراء أيضا، وأنشد أبو العباس لمجهول لم يسمّ، وهو الشاهد رقم [٢٩٤] من كتابنا فتح القريب المجيب: [البسيط]
يا أحسن النّاس ما قرنا إلى قدم... ولا حبال محبّ واصل تصل