ولم ينزل الكتاب عبثا، ولا خلق السموات والأرض وما بينهما باطلا {ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ}. وعلى ضوء هذا يفهم معنى الهداية، والإضلال. انتهى. صابوني.
ولا تنس المقابلة بين: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً} وهو من المحسنات البديعية.
هذا؛ وقدم الإضلال على الهداية؛ ليكون أول ما يقرع أسماعهم من الجواب أمرا فظيعا يسوءهم، ويفتّ أعضادهم، وأوثرت صيغة الاستقبال إيذانا بالتجدد، والاستمرار.
هذا و (القول) يطلق على خمسة معان: أحدها: اللفظ الدّال على معنى. الثاني: حديث النفس، ومنه قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ} الآية رقم [٨] من سورة (المجادلة). الثالث: الحركة، والإمالة، يقال: قالت النّخلة؛ أي: مالت. الرابع: ما يشهد به الحال، كما في قوله تعالى في سورة (فصلت) رقم [١١]: {قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ}. الخامس:
الاعتقاد. كما تقول: هذا قول الأشاعرة، وهذه مقالة المعتزلة؛ أي: ما يعتقدونه. وانظر شرح الكلام في الآية رقم [٧٥].
أمّا الإرادة فهي: نزوع النفس، وميلها إلى الفعل؛ بحيث يحملها عليه، ويقال للقوة الّتي هي مبدأ النزوع، والأول مع الفعل، والثاني قبله، وكلا المعنيين غير متصور اتصاف الباري تعالى به، ولذا اختلف في معنى إرادته، فقيل: إرادته لأفعاله: أنّه غير ساه، ولا مكره، ولأفعال غيره: أمره بها، فعلى هذا لم تكن المعاصي بإرادته.
وقيل: علمه باشتمال الأمر على النظام الأكمل، والوجه الأصلح. انتهى بيضاوي بتصرف.
وانظر الآية رقم [١٨٤] الآتية تجد ما يسرك. هذا؛ و (الإضلال): خلق فعل الضلال في العبد، و (الهداية) خلق فعل الاهتداء فيه، هذا هو الحقيقة عند أهل السنة. انتهى نسفي.
قال تعالى في سورة الأعراف رقم [٢٩]: {فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} وعن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله خلق الخلق في ظلمة، فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضلّ». أخرجه الترمذيّ.
وقد يعترض بعض الناس على خلق فعل الضلال في العبد، فيقول: إذا لا مؤاخذة على العبد، والجواب: أن معنى خلق... إلخ، تقدير ضلاله، وهذا التقدير مبني على علم الله الأزلي بأن هذا العبد لو ترك وشأنه لم يختر سوى الكفر والضلال، ولذا قدره الله عليه، هذا بالإضافة إلى اختياره الضّلال بعد أن بين الله الخير، والشر، والحسن، والقبيح، كما قال تعالى في سورة (البلد): {وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ} أي: بينا له طريق الخير والشر. وأخيرا خذ قوله تعالى في سورة (الأنبياء) رقم [٢٣]: {لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ}. ومذهب المعتزلة بخلاف هذا؛ لأنهم يقولون: إن العبد يخلق أفعال نفسه بقدرة خلقها الله فيه.
وأخيرا: ف {الْفاسِقِينَ} جمع: فاسق، وهو الخارج عن حدّ الإيمان، وأصل الفسق:
الخروج عن حد القصد، والفاسق في الشرع: الخارج عن أمر الله بارتكاب المعاصي، وله ثلاث