للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأخبر الله: أنه لا يستصغر شيئا يضرب به مثلا، ولو كان في الحقارة والصغر كالبعوضة.

فكما لا يستنكف عن خلقها، كذلك لا يستنكف من ضرب المثل بها، كما ضرب المثل بالذباب، والعنكبوت. انتهى مختصر ابن كثير بتصرف.

{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا:} أي: بالله، ورسوله. {فَيَعْلَمُونَ:} فيعتقدون، ويوقنون: {أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} الحق: خلاف الباطل وضده، قال الراغب-رحمه الله تعالى-: أصل الحق:

المطابقة، والموافقة، كمطابقة رجل الباب في حقّه لدورانه على الاستقامة، والحقّ يقال لموجد الشيء بحسب ما تقتضيه الحكمة، ولذلك قيل في الله تعالى: هو الحق، وللموجود بحسب مقتضى الحكمة: حقّ، ولذلك يقال الشيء نفسه، نحو اعتقاد زيد في الجنة حقّ، وللفعل، والقول الواقعين بحسب ما يجب؛ أي أثبته حقّا، أو حكمت بكونه حقّا. بغدادي.

{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا:} قال القرطبي رحمه الله تعالى: لغة تميم وبني عامر في «أَمَّا»:

«أيما» يبدلون من إحدى الميمين ياء كراهية التضعيف، وعلى هذا ينشد بيت عمر بن أبي ربيعة، وهو الشاهد رقم [٨٤] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [الطويل]

رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت... فيضحى وأمّا بالعشيّ فيخصر

وانظر الشاهد رقم [٨٩] منه أيضا فإنه جيد، والكلام عليه أجود.

{ماذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً} أي: وأما الذين كفروا؛ فيتعجبون، ويقولون: ما الذي أراده الله من ضرب الأمثال بهذه الأمور الحقيرة، وإنما سمّوه مثلا؛ لأنه استعارة من المثل المضروب؛ لأنه ما غرب من الكلام وبدع استغرابا منهم لهذا المثل، واستبعادا له، وتحقيرا له أيضا.

{يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً:} أي يضل بهذا المثل كثيرا من الكافرين لكفرهم به، ويهدي به كثيرا من المؤمنين لتصديقهم به، فيزيد أولئك ضلالة، وهؤلاء هدى. هذا؛ ومثل هذه الآية الآية رقم [٣١] من سورة المدثر. {وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ} أي: وما يضل بهذا المثل أو بهذا القرآن إلا الخارجين عن طاعة الله الجاحدين بآياته.

هذا؛ وقال علماء التوحيد: ليس معنى إضلال الله لفريق، وهدايته لفريق آخر: أنه تعالى يجبر كلاّ منهما على الضلالة، والهدى، ولا أنه سبحانه يكرههم على سلوك سبيلي الخير والشر، كلاّ، فإن هذا الإكراه مناف للعدل الإلهي، بل مناف لحكمة التشريع السّماوي، ولا يتفق مع نصوص الشريعة المتواترة، القاطعة الدالة على أن العبد له إرادة، واختيار، هما مناط التكليف، والمؤاخذة، وكذلك فهم الصحابة والسلف الصالح، سأل رجل عليّا-رضي الله عنه- فقال: أكان مسيرك إلى الشام يعني: «لقتال أهلها» بقضاء الله، وقدره، فقال له: ويحك! لعلّك ظننت قضاء لازما، وقدرا حاتما! ولو كان كذلك؛ لبطل الثواب، والعقاب، وسقط الوعد، والوعيد، إنّ الله سبحانه أمر عباده تخييرا، ونهاهم تحذيرا، وكلّف يسيرا، ولم يكلف عسيرا،

<<  <  ج: ص:  >  >>