بِأَيْدِيهِمْ كِتَابٌ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَدْخُلُوا فِي لَفْظِ أَهْلِ الْكِتَابِ، إذْ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ كِتَابٌ لَا مُبَدَّلٌ وَلَا غَيْرُ مُبَدَّلٍ، وَلَا مَنْسُوخٌ وَلَا غَيْرُ مَنْسُوخٍ، وَلَكِنْ إذَا كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ ثُمَّ رُفِعَ بَقِيَ لَهُمْ شُبْهَةُ كِتَابٍ، وَهَذَا الْقَدْرُ يُؤَثِّرُ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ بِالْجِزْيَةِ إذَا قُيِّدَتْ بِأَهْلِ الْكِتَابِ.
وَأَمَّا الْفُرُوجُ وَالذَّبَائِحُ فَحِلُّهَا مَخْصُوصٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» . دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ أَنْ يُسَنَّ بِهِمْ سُنَّتَهُمْ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ خَاصَّةً، كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ الصَّحَابَةُ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا مِنْ هَذَا اللَّفْظِ إلَّا هَذَا الْحُكْمَ، وَقَدْ رُوِيَ مُقَيَّدًا: «غَيْرِ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» .
فَمَنْ جَوَّزَ أَخْذَ الْجِزْيَةِ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ قَاسَ عَلَيْهِمْ غَيْرَهُمْ فِي الْجِزْيَةِ، وَمَنْ خَصَّهُمْ بِذَلِكَ قَالَ: إنَّ لَهُمْ شُبْهَةَ كِتَابٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ. وَالدِّمَاءُ تُعْصَمُ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا تَحِلُّ الْفُرُوجُ وَالذَّبَائِحُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلِهَذَا لَمَّا تَنَازَعَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي ذَبَائِحِ بَنِي تَغْلِبَ قَالَ عَلِيٌّ: إنَّهُمْ لَمْ يَتَمَسَّكُوا مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ إلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: ٥١] فَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنَعَ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ مَعَ عِصْمَةِ ذَبَائِحِهِمْ، وَهُوَ الَّذِي رَوَى حَدِيثَ كِتَابِ الْمَجُوسِ، فَعُلِمَ أَنَّ التَّشَبُّهَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ يَقْتَضِي حَقْنَ الدِّمَاءِ دُونَ الذَّبَائِحِ وَالنِّسَاءِ.
[مَسْأَلَةٌ زَنَى بِامْرَأَةٍ فِي حَالِ شَبُوبِيَّتِهِ]
٤٣٧ - ٣٩ - مَسْأَلَةٌ:
فِي رَجُلٍ زَنَى بِامْرَأَةٍ فِي حَالِ شَبُوبِيَّتِهِ، وَقَدْ رَأَى مَعَهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ بِنْتًا وَهُوَ يَطْلُبُ التَّزَوُّجَ بِهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ فِي تَزْوِيجِهَا؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، لَا يَحِلُّ لَهُ التَّزْوِيجُ بِهَا عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، فَإِنَّ بِنْتَ الَّتِي زَنَى بِهَا مِنْ غَيْرِهِ لَا يَحِلُّ التَّزَوُّجُ بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ فِي أَحَدِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَأَمَّا بِنْتُهُ مِنْ الزِّنَا فَأَغْلَظُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِهَا حَرُمَتَا عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute