للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ} [الأعراف: ١٤٥] فَهَلْ يَسْتَحِلُّ مُسْلِمٌ أَنْ يُثْبِتَ لِرَبِّهِ خَاصِّيَّةَ الْآدَمِيِّ الْبَانِي الصَّانِعِ الْعَامِلِ الْكَاتِبِ، أَمْ يَسْتَحِلُّ أَنْ يَنْفِيَ عَنْهُ حَقِيقَةَ الْعَمَلِ وَالْبِنَاءِ كَمَا يَخْتَصُّ بِهِ وَيَلِيقُ بِجَلَالِهِ، أَمْ يَسْتَحِلُّ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَصْرُوفَةٌ عَنْ ظَاهِرِهَا، أَمْ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَقُولَ عَمَلُ كُلِّ أَحَدٍ بِحَسَبِهِ فَكَمَا أَنَّ ذَاتَه لَيْسَتْ مِثْلَ ذَوَاتِ خَلْقِهِ فَعَمَلُهُ وَصُنْعُهُ وَبِنَاؤُهُ لَيْسَ مِثْلَ عَمَلِهِمْ وَصُنْعِهِمْ وَبِنَائِهِمْ، وَنَحْنُ لَمْ نَفْهَمْ مِنْ قَوْلِنَا بَنَى فُلَانٌ وَكَتَبَ فُلَانٌ مَا فِي عَمَلِهِ مِنْ الْمُعَالَجَةِ وَالتَّأْثِيرِ إلَّا مِنْ جِهَةِ عِلْمِنَا بِحَالِ الْبَانِي لَا مِنْ جِهَةِ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ، فَفَرِّقْ أَصْلَحَكَ اللَّهُ بَيْنَ مَا دَلَّ مُجَرَّدُ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ لَفْظُ الْفِعْلِ وَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِخُصُوصِ إضَافَتِهِ إلَى الْفَاعِلِ الْمُعَيَّنِ، وَبِهَذَا يَنْكَشِفُ لَكَ كَثِيرٌ مِمَّا يُشْكِلُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ وَتَرَى مَوَاقِعَ اللَّبْسِ فِي كَثِيرٍ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَاَللَّهُ يُوَفِّقُنَا وَسَائِرَ إخْوَانِنَا الْمُؤْمِنِينَ لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَيَجْمَعُ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ وَبَعَثَ بِهِ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

[فَصْلٌ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ حُرُوفُهُ وَمَعَانِيهِ]

فَصْلٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ حُرُوفُهُ وَمَعَانِيهِ، هُوَ الْمَنْصُوص عَنْ الْأَئِمَّةِ وَالسَّلَفِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَأَمَّا نُصُوصُهُمْ الَّتِي فِيهَا بَيَانٌ أَنَّ كَلَامَهُ لَيْسَ مُجَرَّدَ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ، بَلْ الْمَعْنَى أَيْضًا مِنْ كَلَامِهِمْ فَكَثِيرٌ مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِثْلُ مَا ذَكَرَ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ عَنْ الْأَثْرَمِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ الْعَبَّادِيُّ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَثْرَمِ وَعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيِّ فَابْتَدَأَ عَبَّاسٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَوْمٌ قَدْ حَدَثُوا يَقُولُونَ لَا نَقُولُ مَخْلُوقٌ وَلَا غَيْرُ مَخْلُوقٍ.

هَؤُلَاءِ أَضَرُّ مِنْ الْجَهْمِيَّةِ عَلَى النَّاسِ، وَيْلَكُمْ فَإِنْ لَمْ تَقُولُوا لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ فَقُولُوا مَخْلُوقٌ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَوْمُ سُوءٍ. فَقَالَ الْعَبَّاسُ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ الَّذِي أَعْتَقِدُهُ وَأَذْهَبُ إلَيْهِ وَلَا أَشُكُّ فِيهِ أَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَنْ يَشُكُّ فِي هَذَا، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُسْتَعْظِمًا لِلشَّكِّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ فِي هَذَا شَكٌّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف: ٥٤] فَفَرَّقَ بَيْنَ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فَالْقُرْآنُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ وَالْقُرْآنُ فِيهِ أَسْمَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>