للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ الضُّرَّ لَا يَكْشِفُهُ إلَّا اللَّهُ]

فَصْلٌ وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ: لِمَ كَانَتْ مُوجِبَةً لِكَشْفِ الضُّرِّ؟ فَذَلِكَ لِأَنَّ الضُّرَّ لَا يَكْشِفُهُ إلَّا اللَّهُ.

كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس: ١٠٧] وَالذُّنُوبُ سَبَبٌ لِلضُّرِّ، وَالِاسْتِغْفَارُ يُزِيلُ أَسْبَابَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: ٣٣] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُعَذِّبُ مُسْتَغْفِرًا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ أَكْثَرَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: ٣٠] .

فَقَوْلُهُ: {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: ٨٧] اعْتِرَافٌ بِالذَّنْبِ وَهُوَ اسْتِغْفَارٌ، فَإِنَّ هَذَا الِاعْتِرَافَ مُتَضَمِّنٌ طَلَبَ الْمَغْفِرَةِ.

وَقَوْلُهُ: {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ} [الأنبياء: ٨٧] تَحْقِيقٌ لِتَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ، فَإِنَّ الْخَيْرَ لَا مُوجِبَ لَهُ إلَّا مَشِيئَةُ اللَّهِ، فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَالْمُعَوِّقَ لَهُ مِنْ الْعَبْدِ هُوَ ذُنُوبُهُ، وَمَا كَانَ خَارِجًا عَنْ قُدْرَةِ الْعَبْدِ فَهُوَ مِنْ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَتْ أَفْعَالُ الْعِبَادِ بِقَدْرِ اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنَّ اللَّهَ جَعَلَ فِعْلَ الْمَأْمُورِ وَتَرْكَ الْمَحْظُورِ سَبَبًا لِلنَّجَاةِ، وَالسَّعَادَةِ، فَشَهَادَةُ التَّوْحِيدِ تَفْتَحُ بَابَ الْخَيْرِ، وَالِاسْتِغْفَارُ مِنْ الذُّنُوبِ يُغْلِقُ بَابَ الشَّرِّ.

وَلِهَذَا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ لَا يُعَلِّقَ رَجَاءَهُ إلَّا بِاَللَّهِ وَلَا يَخَافَ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَظْلِمَهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ؛ بَلْ يَخَافُ أَنْ يَجْزِيَهُ بِذُنُوبِهِ، وَهَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَا يَرْجُوَنَّ عَبْدٌ إلَّا رَبَّهُ وَلَا يَخَافَنَّ إلَّا ذَنْبَهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ: إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدُك؟ فَقَالَ أَرْجُو اللَّهَ وَأَخَافُ ذُنُوبِي، فَقَالَ: مَا اجْتَمَعَا فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>