للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَجْهُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ: إنَّ قَوْلَهُ الرَّبُّ وَاحِدٌ وَمُتَّصِفٌ بِالْوَحْدَانِيَّةِ مُتَقَدِّسٌ عَنْ التَّجَزُّؤِ وَالتَّبْعِيضِ وَالتَّعَدُّدِ وَالتَّرْكِيبِ وَالتَّأْلِيفِ يَسْتَحِيلُ قِيَامُ أَصْوَاتٍ مُتَضَادَّةٍ بِذَاتٍ مَوْصُوفَةٍ بِحَقِيقَةِ الْوَحْدَانِيَّةِ، يُقَالُ لَهُ هَذَا يَلْزَمُك فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ فَإِنَّ الذَّاتَ الَّتِي لَا يَتَمَيَّزُ فِي الْعِلْمِ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ شَيْءٍ يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُومَ بِهَا صِفَاتٌ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْحَيَاةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، إذْ ذَلِكَ يُوجِبُ مِنْ التَّعَدُّدِ وَالتَّرْكِيبِ وَالتَّأْلِيفِ وَالتَّجَزُّؤِ وَالتَّبْعِيضِ نَطِيرَ مَا نَفَاهُ وَهُوَ مِنْ حُجَّةِ نُفَاةِ الصِّفَاتِ عَلَيْهِ. وَلَمَّا قَالَ لَهُ مُخَالَفَةُ لَا نَعْقِلُ الْحَيَاةَ وَالْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ يَقُومُ إلَّا بِجِسْمٍ، وَلَا يَعْقِلُ الْيَدَ وَالْوَجْهَ إلَّا بَعْضًا مِنْ جِسْمٍ قَالَ لَا يَجِبُ.

هَذَا كَمَا لَا يَجِبُ إذَا لَمْ نَعْقِلْ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا إلَّا جِسْمًا أَنْ يَكُونَ الْغَائِبُ كَذَلِكَ فَأَلْزَمَ مُخَالَفَةَ إثْبَاتِهِ لِحَيٍّ عَالِمٍ قَادِرٍ فِي مُتَّصِفٍ بِهَذِهِ الْوَحْدَةِ الَّتِي وَافَقَ خَصْمُهُ عَلَيْهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي مُخَالَفَةِ صَرِيحِ الْعَقْلِ سِوَاهُ فَكَوْنُهُ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ شَيْءٍ يَأْبَى أَنْ يَكُونَ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا إذْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِمَعَانٍ يَتَمَيَّزُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ بَلْ يَأْبَى ثُبُوتُ مَوْجُودٍ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ قَدِيمًا أَوْ حَادِثًا إذْ لَا بُدَّ لِلْمَوْجُودِ مِنْ أُمُورٍ مُتَمَيِّزَةٍ فِيهِ وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِثُبُوتِ مَا نَفَاهُ، فَهَذَا التَّوْحِيدُ الَّذِي ابْتَدَعُوهُ هُوَ التَّعْطِيلُ الْمَحْضُ وَهُوَ تَشْبِيهُ الْبَارِي بِالْمَعْدُومَاتِ.

[الْوَجْهُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ الْقَوْل بِالتَّجَزُّؤِ وَالتَّبْعِيضِ وَالتَّعَدُّدِ وَالتَّرْكِيبِ وَالتَّأْلِيفِ فِي كَلَام اللَّه]

الْوَجْهُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ: قَوْلُك لِأَنَّهُ مُقَدَّسٌ عَنْ التَّجَزُّؤِ وَالتَّبْعِيضِ وَالتَّعَدُّدِ وَالتَّرْكِيبِ وَالتَّأْلِيفِ. يُقَالُ هَذِهِ أَلْفَاظٌ مُجْمَلَةٌ فَإِنْ أَرَدْت الْمَعْنَى الْمَعْرُوفَ فِي اللُّغَةِ لِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ مِثْلَ أَنْ تُرِيدَ أَنَّهُ لَا يَنْفَصِلُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ وَلَا يَتَجَزَّأُ فَيُفَارِقُ جُزْءٌ مِنْهُ جُزْءًا كَمَا هُوَ الْمَعْقُولُ مِنْ التَّجَزُّؤِ وَلَا يَتَعَدَّدُ فَيَكُونُ إلَهَيْنِ أَوْ رَبَّيْنِ أَوْ خَالِقَيْنِ وَلَمْ يُرَكَّبْ فَيُؤَلَّفُ فَيَجْمَعُ بَيْنَ أَبْعَاضِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: ٨] أَوْ مَا يُشْبِهُ هَذِهِ الْأُمُورَ، فَهَذَا كُلُّهُ يُنَافِي صَمَدَانِيَّتَهُ وَلَكِنْ لَا يُنَافِي قِيَامَ مَا يُثْبِتُهُ مِنْ الْأَصْوَاتِ كَمَا لَا يُنَافِي قِيَامَ سَائِرِ الصِّفَاتِ وَإِنْ أَرَدْت بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ شَيْءٍ فَهَذَا بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ وَبَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ وَهُوَ لَازِمٌ لِمَنْ نَفَاهُ لُزُومًا لَا مَحِيدَ عَنْهُ وَقَدْ بَسَطْنَا هَذَا بَسْطًا مُسْتَوْفِيًا فِي كِتَابِ بَيَانُ تَلْبِيسِ الْجَهْمِيَّةِ فِي تَأْسِيسِ بِدْعَتِهِمْ الْكَلَامِيَّةِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ فَإِنْ تَعَسَّفَ مِنْ الْمُقَلَّدِينَ مُتَعَسِّفٌ وَأَثْبَتَ الرَّبَّ تَعَالَى جِسْمًا مُرَكَّبًا مِنْ أَبْعَاضٍ مُتَآلِفًا مِنْ جَوَارِحَ نَقَلْنَا الْكَلَامَ مَعَهُ إلَى إبْطَالِ الْجِسْمِ وَإِيضَاحِ تَقَدُّسِ الرَّبِّ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>