وَهَذَا الَّذِي فَعَلَهُ هُوَ سُنَّةٌ؛ لَكِنَّهُ قَالَ: نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، فَإِنَّهَا بِدْعَةٌ فِي اللُّغَةِ، لِكَوْنِهِمْ فَعَلُوا مَا لَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَهُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي مِنْ الِاجْتِمَاعِ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ، وَهِيَ سُنَّةٌ مِنْ الشَّرِيعَةِ.
وَهَكَذَا إخْرَاجُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَهِيَ الْحِجَازُ وَالْيَمَنُ وَالْيَمَامَةُ، وَكُلُّ الْبِلَادِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْهُ مُلْكُ فَارِسَ وَالرُّومِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَمَصَّرَ الْأَمْصَارَ: كَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، وَجَمْعَ الْقُرْآنَ فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ، وَفَرَضَ الدِّيوَانَ، وَالْآذَانَ الْأَوَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاسْتِنَابَةَ مَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ يَوْمَ الْعِيدِ خَارِجَ الْمِصْرِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا سَنَّهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، لِأَنَّهُمْ سَنُّوهُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهُوَ سُنَّةٌ. وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ يُسَمَّى بِدْعَةً.
وَأَمَّا الْجَهْرُ بِالنِّيَّةِ، وَتَكْرِيرُهَا، فَبِدْعَةٌ سَيِّئَةٌ لَيْسَتْ مُسْتَحَبَّةً بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ يَكُنْ يَفْعَلُهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ.
[مَسْأَلَةٌ مِنْ يُشَوِّشُ عَلَى الصُّفُوفِ بِالْجَهْرِ بِالنِّيَّةِ]
١٤٣ - ٥٩ مَسْأَلَةٌ:
فِي رَجُلٍ إذَا صَلَّى يُشَوِّشُ عَلَى الصُّفُوفِ الَّذِي حَوَالَيْهِ بِالْجَهْرِ بِالنِّيَّةِ وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ مَرَّةً وَلَمْ يَرْجِعْ، وَقَالَ لَهُ إنْسَانٌ: هَذَا الَّذِي تَفْعَلُهُ مَا هُوَ مِنْ دِينِ اللَّهِ، وَأَنْتَ مُخَالِفٌ فِيهِ السُّنَّةَ. فَقَالَ: هَذَا دِينُ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ، وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا، وَكَذَلِكَ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهَا خَلْفَ الْإِمَامِ. فَهَلْ هَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أَوْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ؟ أَوْ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ؟ أَوْ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا كَانَ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ وَالْعُلَمَاءُ يَعْمَلُونَ هَذَا فِي الصَّلَاةِ، فَمَاذَا يَجِبُ عَلَى مَنْ يَنْسُبُ هَذَا إلَيْهِمْ وَهُوَ يَعْمَلُهُ؟ فَهَلْ يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُعِينَهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا عَمِلَ هَذَا وَنَسَبَهُ إلَى أَنَّهُ مِنْ الدِّينِ، وَيَقُولُ لِلْمُنْكِرِينَ عَلَيْهِ كُلٌّ يَعْمَلُ فِي دِينِهِ مَا يَشْتَهِي؟ وَإِنْكَارُكُمْ عَلَيَّ جَهْلٌ، وَهَلْ هُمْ مُصِيبُونَ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، الْجَهْرُ بِلَفْظِ النِّيَّةِ لَيْسَ مَشْرُوعًا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا، وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ دِينُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ وَاجِبٌ، فَإِنَّهُ يَجِبُ تَعْرِيفُهُ الشَّرِيعَةَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute