الصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ إظْهَارَ الْأُمُورِ الْمَشْرُوعَةِ، حَذَرًا مِنْ لَمْزِهِمْ وَذَمِّهِمْ، فَيَتَعَطَّلُ الْخَيْرُ، وَيَبْقَى لِأَهْلِ الشِّرْكِ شَوْكَةٌ يُظْهِرُونَ الشَّرَّ، وَلَا أَحَدَ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ شَعَائِرِ الْمُنَافِقِينَ، وَهُوَ يَطْعَنُ عَلَى مَنْ يُظْهِرُ الْأَعْمَالَ الْمَشْرُوعَةَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: ٧٩] .
فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَضَّ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَامَ تَبُوكَ جَاءَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ يَدُهُ تَعْجِزُ مِنْ حَمْلِهَا، فَقَالُوا: هَذَا مُرَاءٍ، وَجَاءَ بَعْضُهُمْ بِصَاعٍ، فَقَالُوا: لَقَدْ كَانَ اللَّهُ غَنِيًّا عَنْ صَاعِ فُلَانٍ، فَلَمَزُوا هَذَا وَهَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ، وَصَارَ عِبْرَةً فِيمَنْ يَلْمِزُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُطِيعِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ مَنْ صَلَّى بِلَا وُضُوءٍ فِيمَا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ]
٢٢٤ - ١٤٠ - مَسْأَلَةٌ: فِي الرَّجُلِ إذَا تُلِيَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِيهِ سَجْدَةٌ سَجَدَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَهَلْ يَأْثَمُ؟ أَوْ يَكْفُرُ؛ أَوْ تَطْلُقُ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ؟
الْجَوَابُ: لَا يَكْفُرُ، وَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ، وَلَكِنْ يَأْثَمُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَنْ صَلَّى بِلَا وُضُوءٍ فِيمَا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ بِالْإِجْمَاعِ.
كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِذَلِكَ، وَإِذَا كَفَرَ كَانَ مُرْتَدًّا.
وَالْمُرْتَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَبِينُ مِنْهُ زَوْجَتُهُ، وَلَكِنْ تَكْفِيرُ هَذَا لَيْسَ مَنْقُولًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَفْسِهِ، وَلَا عَنْ صَاحِبَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ أَتْبَاعِهِ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يُعَزَّرُ، وَلَا يُكَفَّرُ إلَّا إذَا اسْتَحَلَّ ذَلِكَ وَاسْتَهْزَأَ بِالصَّلَاةِ.
وَأَمَّا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ: فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا تَجُوزُ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، وَمَا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِهِ لَا يَكْفُرُ فَاعِلُهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا تَبِينُ مِنْهُ زَوْجَتُهُ إلَّا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى الْإِسْلَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute