كَمَا ثَبَتَتْ بِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعْرَفْ فِيهِ نِزَاعٌ إلَّا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا كَانَ النِّكَاحُ نِكَاحَ رَغْبَةٍ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الدُّخُولِ، وَمَنْ نَقَلَ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ مَالِكٍ أَوْ الشَّافِعِيِّ أَوْ دَاوُد أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَقَدْ أَخْطَأَ، إنْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يُقَالُ: إنَّهُ أَعْلَمُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَقَوْلُهُ لِامْرَأَةِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ، لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك» ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّهَا لَا تُبَاحُ لِلْأَوَّلِ إلَّا بِنِكَاحِ رَغْبَةٍ، وَهُوَ النِّكَاحُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي الْعَادَةِ بِخِلَافِ نِكَاحِ التَّحْلِيلِ، فَإِنَّ جُمْهُورَ السَّلَفِ لَا يُبِيحُونَهَا بِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ ثُمَّ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ]
٥٤٥ - ٨ - مَسْأَلَةٌ:
سُئِلَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فِي مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ، ثُمَّ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ، هَلْ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ أَمْ لَا؟ وَفِي مَنْ طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، هَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَيْضًا أَمْ لَا؟ وَفِي مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، هَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا أَمْ وَاحِدَةً؟ وَفِي مَنْ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي عَلَى الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، هَلْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ كَمَا قَالَ أَمْ كَيْفَ الْحُكْمُ؟
فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فَفِيهَا نِزَاعٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا حَنِثَ فِي يَمِينِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ، حَتَّى اعْتَقَدَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ إجْمَاعٌ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ عَامَّتُهُمْ عَلَيْهِ حُجَّةً، وَحُجَّتُهُمْ عَلَيْهِ ضَعِيفَةٌ جِدًّا، وَهِيَ: أَنَّهُ الْتَزَمَ أَمْرًا عِنْدَ وُجُودِ شَرْطٍ فَلَزِمَهُ مَا الْتَزَمَهُ.
وَهَذَا مَنْقُوضٌ بِصُوَرٍ كَثِيرَةٍ، وَبَعْضُهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ: كَنَذْرِ الطَّلَاقِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَالْمُبَاحِ، وَكَالْتِزَامِ الْكُفْرِ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ؛ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ يُقَالُ بِهِ إلَّا وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ مُؤَثِّرٌ فِي الشَّرْعِ وَلَا دَلَّ عَلَيْهِ عُمُومُ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٌ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ مُوجِبُ الْعَقْدِ لُزُومَ مَا الْتَزَمَهُ صَارَ يَظُنُّ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ أَنَّ هَذَا عَقْدٌ لَازِمٌ، وَهَذَا يُوَافِقُ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ مُوجِبَةً وَمُحَرِّمَةً، كَمَا يُقَالُ: إنَّهُ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute