للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَفِي ذَلِكَ آثَارٌ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي كُتُبِ السُّنَنِ وَالْآثَارُ تَضِيقُ عَنْهَا هَذِهِ الْوَرَقَةُ.

وَبَيْنَ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ مُنَازَعَاتٌ وَدَقَائِقُ تَضِيقُ عَنْهَا هَذِهِ الْوَرَقَةُ، وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي مَوَاضِعَ، وَبَيَّنَّا حَقِيقَةَ كُلِّ قَوْلٍ، وَمَا هُوَ الْقَوْلُ الصَّوَابُ فِي صَرِيحِ الْعُقُولِ وَصَحِيحِ الْمَنْقُولِ: لَكِنَّ هَؤُلَاءِ الطَّوَائِفَ كُلَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَضْلِيلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ كَلَامَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ.

وَالْأُمَّةُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ إنَّ كَلَامَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ، لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا، يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

[مَسْأَلَةٌ فِي الْقَلْبِ وَأَنَّهُ خُلِقَ لِيُعْلَمَ بِهِ الْحَقُّ وَلْيُسْتَعْمَلْ فِيمَا خُلِقَ لَهُ]

١٠٢٨ - ٤ مَسْأَلَةٌ:

فِي الْقَلْبِ، وَأَنَّهُ خُلِقَ لِيُعْلَمَ بِهِ الْحَقُّ، وَلْيُسْتَعْمَلْ فِيمَا خُلِقَ لَهُ.

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ الْحَرَّانِيُّ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ: إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلَقَ الْقَلْبَ لِلْإِنْسَانِ يَعْلَمُ بِهِ الْأَشْيَاءَ، كَمَا خَلَقَ الْعَيْنَ يَرَى بِهَا الْأَشْيَاءَ، وَالْأُذُنَ يَسْمَعُ بِهَا الْأَشْيَاءَ، وَكَمَا خَلَقَ سُبْحَانَهُ كُلَّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ لِأَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ، وَعَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ، فَالْيَدُ لِلْبَطْشِ، وَالرِّجْلُ لِلسَّعْيِ، وَاللِّسَانُ لِلنُّطْقِ، وَالْفَمُ لِلذَّوْقِ، وَالْأَنْفُ لِلشَّمِّ، وَالْجِلْدُ لِلْمَسِّ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ، فَإِذَا اسْتَعْمَلَ الْعُضْوَ فِيمَا خُلِقَ لَهُ وَأُعِدَّ مِنْ أَجْلِهِ، فَذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ الْقَائِمُ، وَالْعَدْلُ الَّذِي قَامَتْ بِهِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا وَصَلَاحًا لِذَلِكَ الْعُضْوِ وَلِرَبِّهِ وَلِلشَّيْءِ الَّذِي اُسْتُعْمِلَ فِيهِ، وَذَلِكَ الْإِنْسَانُ هُوَ الصَّالِحُ الَّذِي اسْتَقَامَ حَالُهُ وَأُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ.

وَإِذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْ الْعُضْوَ فِي حَقِّهِ، بَلْ تَرَكَ بَطَّالًا، فَذَلِكَ خُسْرَانٌ، وَصَاحِبُهُ مَغْبُونٌ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَ فِي خِلَافِ مَا خُلِقَ لَهُ فَهُوَ الضَّلَالُ وَالْهَلَاكُ، وَصَاحِبُهُ مِنْ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>