للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَصِيرَ مُخَادِعًا لِلَّهِ، كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ خَادَعَ النَّاسَ وَمَقْصُودُهُ حُصُولُ الشَّيْءِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ لَوْلَا تِلْكَ الْحِيلَةُ وَسُقُوطُ الشَّيْءِ الَّذِي يُوجِبُهُ اللَّهُ تَعَالَى لَوْلَا تِلْكَ الْحِيلَةُ، كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ مَقْصُودُهُ إظْهَارُ دِينِ اللَّهِ وَدَفْعُ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَنَظِيرُ هَذَا أَنْ يَتَأَوَّلَ الْحَالِفُ مِنْ يَمِينِهِ إذَا اسْتَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ، فَإِنَّ يَمِينَك عَلَى مَا يُصَدِّقُك بِهِ صَاحِبُك، وَالنِّيَّةُ لِلْمُسْتَحْلَفِ فِي مِثْلِ هَذَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَنْفَعُهُ التَّأْوِيلُ وِفَاقًا، وَكَذَلِكَ لَوْ تَأَوَّلَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ الْأَكْثَرِ مِنْ الْعُلَمَاءِ، بَلْ الِاحْتِيَالُ فِي الْعُقُودِ أَقْبَحُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُخَادَعَ فِيهَا هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَنْ خَادَعَ اللَّهَ فَإِنَّمَا خَدَعَ نَفْسَهُ وَمَا يَشْعُرُ، وَلِهَذَا لَا يُبَارَكُ لِأَحَدٍ فِي حِيلَةٍ اسْتَحَلَّ بِهَا شَيْئًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَيَتَبَيَّنُ الْحَالُ بِذِكْرِ أَقْسَامِ الْحِيَلِ.

[أَقْسَامُ الْحِيَلِ]

ِ فَنَقُولُ هِيَ أَقْسَامٌ: أَحَدُهَا: الطُّرُقُ الْخَفِيَّةُ الَّتِي يَتَوَسَّلُ بِهَا إلَى مَا هُوَ مُحَرَّمٌ فِي نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا تَحِلُّ بِمِثْلِ ذَلِكَ السَّبَبِ بِحَالٍ فَمَتَى كَانَ الْمَقْصُودُ بِهَا حَرَامًا فِي نَفْسِهِ فَهِيَ حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَصَاحِبُهَا يُسَمَّى دَاهِيَةً وَمَكَّارًا وَذَلِكَ مِنْ جِنْسِ الْحِيَلِ عَلَى هَلَاكِ النُّفُوسِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ وَفَسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَحِيَلِ الشَّيْطَانِ عَلَى إغْوَاءِ بَنِي آدَمَ وَحِيَلِ الْمُخَادِعِينَ بِالْبَاطِلِ عَلَى إدْحَاضِ حَقٍّ، وَإِظْهَارِ بَاطِلٍ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالْخُصُومَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَكُلُّ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ فِي نَفْسِهِ فَالتَّوَسُّلُ إلَيْهِ بِالطُّرُقِ الظَّاهِرَةِ مُحَرَّمٌ فَكَيْفَ بِالطُّرُقِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي لَا تُعْلَمُ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.

ثُمَّ مِنْ هَذِهِ الْحِيلَةِ مَا يُقْصَدُ بِهَا حُصُولُ الْمَقْصُودِ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ كَحِيَلِ اللُّصُوصِ وَلَا مَدْخَلَ لِهَذَا فِي الْفِقْهِ.

وَمِنْهَا مَا يُقْصَدُ بِهِ مَعَ ذَلِكَ إظْهَارُ الْحِيَلِ فِي الظَّاهِرِ وَهَذِهِ الْحِيَلُ لَا يُظْهِرُ صَاحِبُهَا أَنَّ مَقْصُودَهُ بِهَا شَرٌّ وَقَدْ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى ذَلِكَ غَالِبًا فَفِي مِثْلِ هَذَا قَدْ تُسَدُّ الذَّرَائِعُ إلَى تِلْكَ الْمَقَاصِدِ الْخَبِيثَةِ وَمِثَالُ هَذَا إقْرَارُ الْمَرِيضِ لِوَارِثٍ لَا شَيْءَ لَهُ عِنْدَهُ، فَيَجْعَلُهُ حِيلَةً إلَى الْوَسِيلَةِ لَهُ وَهَذَا مُحَرَّمٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَتَعْلِيمُهُ هَذَا الْإِقْرَارَ حَرَامٌ وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ مَعَ الْعِلْمِ بِكَذِبِهِ حَرَامٌ وَالْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِبُطْلَانِهِ حَرَامٌ فَإِنَّ هَذَا كَاذِبٌ غَرَضُهُ تَخْصِيصُ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ، فَالْحِيلَةُ نَفْسُهَا مُحَرَّمَةٌ وَالْمَقْصُودُ بِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>